فريهان رؤوف تكتب: على لسان كل لاجئ


أنا كلمة واحدة تصفني وهي لاجئ، كلمة أقولها بمرارة لا يشعر بها غيري ينظرون اليوم لي بنظرة متهم و مذنب لكنني لست إلا لاجئ.
اليوم ومن سنوات اكتشفت قيمة وطني الذي لم أشعر به إلا عندما فقدته ،أشتاق لريحة الوطن ،أشتاق للعائلة التى كانت تحتوينا لكننا تشتتنا في أماكن بعيدة داخل ثقافات مختلفة و في أماكن نشعر كل ثانية فيها بأننا غرباء بكل اللهجات التى لا نفهمها نظرة الغريب تلاحقنا،عاجزون حتى عن العودة لوطننا الذي تدمر بالكامل.
حكاية يسردها وجع وطني ،وجع الملايين حول العالم بلا هوية وماذا سأقول ،أنا لم أختر أي بلد عن قناعة ،أنا كل ثانية أحن لوطني ،أبكي دموعي على وجعه ،عن أخي و أبي و أمي و تاريخي و مجدي و طفولتي عن قصصي عن كل ماض عشت فيه ،الوطن الذي هو مخبأ أسراري و هويتي و عنواني ،بقيت بلا وطن .
أنا لا أريد أن أكون لاجئا لكن أصبحت اليوم لاجئا ،لاجئا في نظركم ،نظرة الغريب في عيونكم تقتلني كل يوم و تذبحني .
هل اخترت أن أكون غريبا ؟ و هل الغريب يختار نحن لسنا غرباء كان لدينا وطن و أرض لكننا خسرنا كل شئ في ثانية بقينا نتألم عن الوطن و هل يعلم حجم خسارة الوطن إلا فاقده و أي خسارة هذه ؟ خسارة لا تحتمل لم أخسر وطنا فحسب بل خسرت تاريخي فيه و هويتي و طفولتي و عملي و مكانتي و حبيبتي تركتها تبكي و تنتظرني رغم أن انتظارها سيطول و دموعها لن تجف و و عودي لها أصبحت مستحيلة و سعادتي تلاشت بالاحزان… ماذا بعد أنا اللاجئ الذي أعمل و أنفع و اجتهد في وطن غير وطني و أعمر في وطن غير وطني رغم أن وطني يتألم بحاجة لتعمير تركته بأسى تركته و هو عاجز و أنا عاجز.
أنا اللاجئ في المخيمات لا أعرف الدفء في الشتاء و لا البرد في الصيف و لا الإستقرار و لا الأمان و لا الأمل و لا المستقبل ،عاجز و عجزي تجاوز حدود كل طاقتي لا أجد حتى بابا أغلقه ليحميني من لصوص و قطاع الطريق ،لا يمكنني حتى أن أضمن حياة ابنتي و مستقبلها و لا أن أوفر الأكل و اللباس و التعليم و لا حتى الأمن ،و لا حتى أدني الأشياء ،كلمة عاجز وحدها لا تكفي لتصف ما أنا عليه لم نعد ننتظر غير الموت ليرحم بؤسنا.
اسألكم برب العباد ماهي جنايتي ؟ يا من تقولون لاجئا و غريبا ،أنا غريب عن نفسي و ليس عن عالمكم لأنني لم أعد أنتمي للعالم بل أصبحت في عالم لا وجود تائه فيه بلا هوية و بلا عنوان ،لم أعد حتى من المجتمع لتصفونني بالغريب نحن أصبحنا أشباحا غير مرئية في عالم المخلوقات و أصبحنا أموات رغم أننا أحياء فقط كشكل حتى القبور لا نجدها لكي ندفن فيها بكرامة.
أنا لاجئ المخيمات هل عرفتم من أكون ؟
أنا متهم بدون جريمة ،الجريمة ارتكبها غيري و أنا أدفع في ثمنها ، أنا أعيش في سجن أصعب من السجن نفسه ،أنا اللاجئ هذه قصتي ، أنا من قتلوا وطني و قتلوا تاريخي و كل شئ جميل في حياتي و حياة الملايين ،أنا من دمروا منزلي و منازل الملايين من حولي ،أنا من فجروا أنفسهم في وطني و ينتظرون الجنة و هم حكموا علينا بجحيم الأزلي ،أنا من ذبحوا الأطفال في وطني ، أنا من يتموا الأطفال في وطني، أنا من اغتصبوا النساء في وطني ،أنا من كذبوا و تاجروا بإسم الدين في وطني ،أنا من انقسموا لطوائف في وطني ،أنا من ارجعونا لسنوات الجهل و الرجعية و كل ما هو خارج عن دائرة العقل و الإنسانية و الأخلاق ،أنا في عيوني ستجد دموع الأم الحزينة و الأب المكسور و أحلام الأطفال المتلاشية و الجثث المرمية بدون قبور.