خط أحمر
السبت، 3 مايو 2025 01:43 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

نيفين منصور تكتب: نحن من نصنع الجوكر !

خط أحمر

ربما لم يحالفك الحظ لمشاهدة الفيلم الأمريكي جوكر الذي تم إنتاجه عام ٢٠١٩ بطولة خواكين فينيكس وروبرت دي نيرو ومن إخراج تود فيليبس، الفيلم أشاد به العديد من النقاد وحصد العديد من الجوائز ،، شاهدته منذ فترة بالصدفة، تابعته بدقة، وسرعان ما انجذبت إلي أحداثه حتي شاهدته للنهاية،، لن أتحدث هنا عن كم الإبداع الذي شاهدته في آداء الممثل الأمريكي خواكين فينيكس ،،، فهو فنان متميز يجيد أداء الشخصيات المركبة باحترافية شديدة كما يجيد التحدث بلغة الجسد ويبدع في تقمص الشخصيات المعقدة ،وله العديد من الأعمال التي وصلت للعالمية ورسخت في الأذهان كفيلم المصارع (gladiator ) حيث أبدع في تجسيد دور الإمبراطور الروماني الشرير كومودوس عام ٢٠٠٠ وغيرها من الأعمال المبهرة وصولا لهذا الفيلم العبقري والذي استوقفني كثيرا ، ووجدت نفسي أمام حقيقة تغيب عن أعيننا أحياناً كثيرة ونتناساها حتي نصدق أنفسنا ونسقط المسؤولية عن كاهلنا فيما يحدث من تطور نفسي في المجتمع.

ما أثار عقلي وقلبي وجذبني ربما أكثر بكثير من الأداء الرائع هو عمق الشخصية التي جسدها هذا الفنان،، شخصية المهرج ،، البسيط الذي يفتقد الجرأة والقوة والصمود ،، يحيا علي هامش الحياة،، بلا قيمة وبلا وجود حقيقي،، تصيبه نوبات الضحك المستمرة عندما يشعر بالتوتر أو الخوف ،، وسرعان ما تتطور الأحداث ،، فيتحول هذا الضعيف البائس إلي قاتل ثم رمز للتمرد علي الواقع وزعيم لغيره من المتمردين،، يتحول بالشخصية من الظل إلي النور ،، من الحياة علي الهامش إلي القيادة ،، فيجد نفسه وسط جمهور كبير من المتمردين .. يقودهم دون أن يسعي لهذا الطريق المعاكس لواقعه،،، أجبرته الحياة ،، وأجبروه من حوله ،، علي التحول من النكرة الضعيف البائس ليصبح القاتل الساخر العدواني،،

ثم يظهر بعد تطور تلك الشخصية في فيلم آخر وهو فيلم باتمان في نفس الدور ، دور الجوكر ولكن بعد التعديل، بعد التمرد والعدوانية والرغبة في التدمير ،، تلك الشخصية كانت بمثابة جرس الانذار الذي دق في عقلي وقلبي فجأة ،، فوجدت نفسي أراجع ما يحدث من حولي وأحلل الأمور بصورة مختلفة،، كيف يتحول الانسان من الشخصية المسالمة التي تحيا في الظل وتخاف وتتجنب المشاكل ،، إلي شخصية عدوانية جريئة ساخرة تستطيع أن تدمر من حولها بكل سهولة ويسر ،، والاجابة بسيطة ودائماً ما تكون واضحة وربما شديدة الوضوح أمام أعيننا ولكننا لا نراها ،، وربما نتعمد عدم رؤيتها ويخدعنا الغرور أحياناً ونصاب بعمي الكبرياء ونفقد القدرة علي الفهم السليم لتطور النفس البشرية من السلام والضعف إلي العنف والجرأة.

عندما يفقد الانسان أغلي ما لديه ، ويفقد ما يحيا من أجله ، يفقد الظل الذي عاش فيه ، والظلام الذي يملأ الروح في خوف ورهبة ، ومن يفقد كل شيء، لا يبقي علي أحد ، من يفقد ماضيه وحاضره لا يفكر أبداً في المستقبل علي العكس أحياناً كثيرة يتحول إلي النقيض ، يتحول من الهدوء والسلمية في التعامل إلي العنف والشغب، ويستمتع بالقتل بدم بارد، ويحلل تلك الأفعال ، وتلمع رغبة الانتقام في قلبه حتي تصبح المحرك الأساسي له، دون رحمة أو ندم.

وبالتأكيد لو تأملنا التطور النفسي لبعض البشر من حولنا وتحولهم من الطيبة إلي القسوة ومن التعايش في الظل إلي جنون الانتقام ،، سنجد أن كل من تحول إلي النقيض بالفعل له تاريخ نفسي مؤلم أدي إلي فقدانه السلام والسكينة، وأصبح المحرك الأساسي له هو رغبته فقط في التدمير والعنف ليرضي رغبة الانتقام التي تسيطر عليه.

نحن من نصنع الجوكر، نحن من نتسبب بأفعالنا في تغيير واقع بعض البشر ، نحن من نروي ثمار العنف ،، وندمر بلا مبالاة المجتمع ، عندما نقسو علي من حولنا، لن نجني غير القسوة والرغبة في التدمير، عندما نتخلي عن البعض في وقت المحنة والشدة ، نقضي علي الطيبة بداخلهم، عندما نسخر من بعض البشر وننقل إليهم الشعور بأنهم نكرة لا قيمة لهم ، نغير بأيدينا واقعهم، ونبدل أفكارهم، ونزرع بذور الشر علي الأرض، عندما نحول بعض البشر لمستضعفين لا حيلة لهم ، نفقدهم الرحمة ونزرع الغل بأرواحهم، الشخصية الانتقامية السودوية هي حصيلة ما نفعله نحن بمن حولنا، فنجد أنفسنا دون أن نشعر نصنع الجوكر بصور وأنماط مختلفة لا حصر لها،، ثم نحاسبهم علي الشر الذي كنّا له خير عون من البداية.

نيفين منصور نحن من نصنع الجوكر خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة