مقالات

بين القرار الحكيم والتهور السياسي… من يحكم المشهد حقًا؟

الدكتورة هبة عادل تكتب: حين يتحول الغباء إلى سياسة والذكاء إلى رفاهية مستحيلة

خط أحمر

في المشهد العام، كثيرًا ما يُساء تفسير الفشل على أنه مؤامرة، ويُختزل النجاح في كونه ضربة حظ. غير أن الواقع أكثر بساطة وأكثر قسوة في الوقت نفسه: الفارق الحقيقي بين الدول والمؤسسات، بل وبين القيادات، هو مستوى الذكاء أو الغباء في إدارة السياسة والإدارة العامة.

الذكاء السياسي لا يعني المراوغة ولا الالتفاف، كما يظن البعض، بل هو فن قراءة اللحظة التاريخية قبل اكتمال ملامحها، وفهم موازين القوى كما هي لا كما نتمناها. هو القدرة على اختيار التوقيت المناسب للفعل، وإدارة الخلافات دون تحويلها إلى صراعات صفرية، وتحقيق الأهداف بأقل كلفة ممكنة على الدولة والمجتمع.

السياسي الذكي لا يتحدث كثيرًا، لكنه حين يفعل يكون لكلامه أثر. يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع خطوة محسوبة، لأن التراجع أحيانًا ليس هزيمة بل إعادة تموضع تسبق الانتصار. أما الغباء السياسي، فهو الاعتقاد بأن الصوت الأعلى هو الأقوى، وأن الصدام الدائم شجاعة، وكشف الأوراق مبكرًا بطولة. الغبي سياسيًا يخسر التحالفات قبل أن تبدأ المعركة، ويحرق الفرص وهو يظن أنه يحسمها.

وعلى الجانب الآخر، لا يقل الذكاء الإداري أهمية عن الذكاء السياسي، بل ربما يتفوق عليه في أثره طويل المدى. الذكاء الإداري هو القدرة على إدارة الموارد قبل أن تنفد، واتخاذ قرارات مبنية على معلومات وبيانات لا على انفعالات وأهواء. هو توزيع الأدوار وفق الكفاءة، ووضع خطط بديلة، وبناء مؤسسات قادرة على الاستمرار حتى في غياب القائد.

القائد الذكي إداريًا لا يسعى لأن يكون حاضرًا في كل التفاصيل، بل ينجح حين تصبح المؤسسة قادرة على العمل من دونه. أما الغباء الإداري، فيظهر في القرارات الارتجالية، وإدارة المؤسسات بمنطق المزاج، وإقصاء الكفاءات خوفًا على المناصب، وخلط العلاقات الشخصية بالعمل المؤسسي. هذا النوع من الغباء لا يُحدث ضجيجًا فقط، بل يستهلك المؤسسات ببطء حتى تنهار، ثم يبدأ البحث عن شماعات خارجية لتبرير السقوط.

المشكلة الحقيقية أن الغباء، سياسيًا وإداريًا، غالبًا ما يكون صاخبًا، بينما يعمل الذكاء في صمت. الغباء يحب الظهور والاستعراض، أما الذكاء فينشغل بالنتائج. لذلك قد ينجح الغباء لحظيًا في لفت الانتباه، لكنه يفشل حتمًا في بناء مستقبل مستدام.

في النهاية، الذكاء في السياسة والإدارة ليس ترفًا فكريًا، ولا مهارة نخبوية، بل ضرورة وجودية لبقاء الدول والمؤسسات. حين يُدار المشهد بالغباء، تدفع الشعوب الثمن. وحين يُدار بالذكاء، قد لا يكون الطريق سهلًا، لكنه يكون دائمًا أقل كلفة وأكثر أمانًا.

الدكتورة هبة عادل حين يتحول الغباء إلى سياسة الذكاء رفاهية مستحيلة خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة