الدكتور أحمد عبود يكتب: السبوبة


في زمن اتبدلت فيه القيم بالمصالح، واتباع الحق بقى عملة نادرة، طلعت على السطح كلمة جديدة سيطرت على العقول والقلوب: السبوبة. كلمة شكلها خفيف، لكن معناها تقيل وسام قاتل في روح المجتمع. بقت تتقال ببساطة كأنها حاجة عادية: “ما هو كله سبوبة”، “أنا راكب المصلحة”، “اللي ليه فيها ما يضيعهاش”، وكأننا بنبرر الفهلوة ونسميها ذكاء.
السبوبة دي مش مجرد شغل مؤقت ولا فرصة رزق، دي بقت طريقة تفكير ومنهج حياة. الناس بقت تدخل أي مجال مش عشان تحب اللي بتعمله، لكن عشان تشوف هتطلع بإيه. كل حاجة بقت محسوبة بالعائد، مش بالقيمة. حتى الخير بقى له تسعيرة، والمبدأ بقى بند في الميزانية.
تشوف اللي بيكلمك عن الأخلاق، وهو أول واحد بيستغلها. واللي بيكلمك عن الوطنية، وهو بيفكر في اللقطة. واللي لابس وش الجدعنة، وهو بيعد المكاسب من ورا الستار. الكل عايز يركب الموجة، الكل بيدور على السبوبة اللي توصله بسرعة، حتى لو الطريق فيها كذب ونفاق وغدر.
السبوبة حولت الشطارة إلى نصب، والموهبة إلى استعراض، والنية الحسنة إلى سذاجة. بقت الناس تضحك على اللي بيشتغل بضمير، وتقول عليه “مش فاهم الدنيا”. واللي بيجامل ويتلون وياكل على كل طَبق، هو اللي بقى “فاهم اللعبة”.
لكن الحقيقة إن اللعبة دي خاسرة من أول لحظة. لأن السبوبة ممكن تلمّك يومين، لكن ما تبنيش بيها كيان ولا اسم. السبوبة رزقها سريع الزوال، ووشها لامع من بره بس، لكن جواها فاضي. اللي عاش عمره يجري ورا المصلحة، هيفضل طول عمره تايه من غير مبدأ ولا قيمة.
البلد مش ناقصة سبوبات، ناقصة ناس عندها ضمير. ناس تشتغل من غير ما تستنى مقابل، وتخلص من غير ما تستنى تصفيق. لأن اللي بيخدم نفسه، عمره ما هيخدم وطنه.
وفي الآخر، خُدها قاعدة:
السبوبة عمرها ما كانت رزق... دي اختبار للضمير، واللي يسقط فيها، يفتكر نفسه كسبان وهو الخسران.


























