مقالات

نيفين منصور تكتب: الرحمة يا خلق الله!

خط أحمر

لا يخفي علي أحد ما نعاني منه جميعاً من انتشار ظاهرة العنف والقسوة في ردة الفعل واللامبالاة التي أصابت العديد من الناس في هذا الزمان، قسوة ناتجة عن تحجر القلوب وفقدان الرحمة وحسن الخلق ، تحول البعض إلي أداة لإتعاس الآخرين ، وأحياناً أداة للقتل والفتك دون رحمة .

الدم البارد أصبح منتشر والبلطجة في القول والفعل انتشرت بين طبقات متعددة، لم تعد تميز بين المحتاج والفقير وبين الغني ، اتجه البعض إلي التعامل بقانون السطوة والقوة بشكل مُلفت، يدعو للتساؤل ، إلي أين سيأخذنا هذا النفق المظلم وكيف نخرج منه؟.

حوادث متتالية انتشرت في الآونة الأخيرة العنصر الرئيسي والمشترك فيها هو القسوة في الفعل وانتزاع الرحمة ، كحوادث التعذيب داخل نطاق الأسرة والاغتصاب وهتك العرض بالإضافة إلي القتل العمد بدم بارد دون التفكير في عواقب ما يحدث أو خوف من عقاب دنيوي أو عقاب الآخرة.

الأمر جلل وإن دل علي شيء فإنه يدل علي انعدام القيم الدينية وكُفر بما جاء في الكتب السماوية، فلا أتخيل أن تتجرأ  أم علي قتل رضيعتها انتقاماً من زوجها لو كانت تعرف مصير فعلتها في الدنيا والآخرة حق المعرفة ، كما لا أستطيع  أن  أستوعب أن تعذب جدة حفيدتها ذات الأربع سنوات دون رحمة لدرجة أن يصعب علي الأطباء انقاذها فتموت من أثر التعذيب.

كما لا أتقبل أن تتحول القلوب إلي هذه الدرجة من القسوة كما رأينا في حادث القطار الذي أصر فيه رئيس القطار  أن يقفز إثنان من الشباب في مقتبل العمر أثناء سير القطار لمجرد عدم امتلاكهم لثمن التذكرة، وحدث ولا حرج عن العنف المنتشر بين الشباب لأتفه الأسباب والذي ينتهي بالقتل دون رحمة.

هل تغلغل الكفر في قلوبنا؟ هل أصبح الغضب هو المتحكم الأساسي في ردة فعل الناس؟ هل تم تغييب العقول لهذه الدرجة؟ مهما كانت صعوبة الحياة فلا يوجد مبرر حقيقي لهذه الأفعال الشنيعة والغير مقبولة سوي مبرر واحد فقط وهو انعدام الرحمة والعمي الذي أصاب القلوب قبل الأعين فتحول العنف إلي أداة للتسلط علي الآخرين بشكل أو بآخر.

بناء الدول يحتاج إلي العمل الدائم والعزيمة والصبر والتخطيط الجيد ، ولكي ينجح يحتاج إلي تضافر الجهود بين طبقات الشعب المختلفة ، فلا أحد يستطيع أن يبني وحده أو يخطط وحده، فالدول التي تقوم علي مؤسسات لا تستطيع أن تنهض إلا إذا أدت كل مؤسسة عملها علي أكمل وجه ، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية ، الخلل المؤسسي الواضح والذي يترك أكبر الأثر ويتضح بشدة في التعاملات اليومية بين الناس ، ويؤدي في النهاية إلي كوارث لا حصر لها .

 

ومن أكثر المؤسسات التي نلمس جميعاً غيابها الفعلي عن المجتمع ، المؤسسات الدينية التي يقع علي عاتقها التوعية المستمرة للناس وتجديد الخطاب الديني بما يتوافق مع متطلبات العصر ، وغرس مفاهيم التسامح والرحمة بين البشر والاهتمام بشرح أصول التربية السليمة التي يجب أن يتبعها الجميع حتي ينتج عنها مجتمع سوي خالي من الحقد والعنف والقسوة وانتهاك الأعراض والقتل بدم بارد.

إذا غاب الوعي الديني تحول المجتمع إلي غابة همجية ، البقاء فيها ليس للحق والعدل إنما البقاء فيها للأكثر سطوة ، يقول المولي عز وجل( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)،كما روي النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة لرجل من أمته كان يُصَلِّي وينفق ويصوم، ولكن أخلاقه لم تستقم، فأخبر أنه سيأتي يوم القيامة لا ليدخل الجنة بل ليدخل النار، يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: "أَتَدْرُونَ مَا الْـمُفْلِسُ؟". قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: "إِنَّ الْـمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" رواه مسلم

كما قال المولي عز وجل في كتابه الكريم (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ وما عسانا إلا أن نقول استقيموا يرحمكم الله، فإن الدنيا مهما طالت قصيرة ، ويأتي حينئذ الحساب الإلهي الذي لا مفر منه ، (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).

نيفين منصور الرحمة يا خلق الله خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة