منذ سنوات حكى لي أحد الأصدقاء كنت قد سافرت من قبل إلى العديد من البلدان أبحث عن معنى السعادة ذهبت إلى الشواطئ وأماكن اللهو ذهبت للمولات للتسوق  انفقت الآف الدولارات للحصول علي متعة زائلة تنتهي بسرعة شديدة وقد تقترن بمعصية لله فيؤنبني ضميري وتلاحقني آلام نفسية وصراعات داخلية بين الحلال والحرام  ثم استغفر الله ثم أعود مرة ثانية إلى محاولة لإشباع رغبات وشهوات أبحث من خلالها عن السعادة ولكنها كانت سعادة زائفة لاتخلو من الأوجاع  والمتعة السريعة.

وكان عائدا للتو من أداء فريضة الحج فحكي لي عن هذا الشعور الغريب الذي أحس  به عندما وقف للمرة الأولى أمام الكعبة المشرفة هذا الرمز الذي يتوجه إليه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها كل يوم خمس مرات رغم بعدهم عنها آلاف الأميال إلا أن قلوب المسلمين تتعلق بها وتشتاق إليها وإلى الوقوف أمامها  وهناك الملايين بل المليارات من المسلمين لم يكتب لهم الوقوف أمامها بشكل مباشر.

قال لي صديقي عندما شاهدت الكعبة لأول مرة لم أشعر إلا والدموع تفر من عيني بشكل لا إرادي أحسست بمتعة غريبة في النظر إليها من هذه المسافة القريبة لا يفصل بيني وبينها حائل شعرت براحة نفسية لم أشعر بها من قبل ونزلت علي قلبي السكينة وددت لو أنني ظللت واقف في مكاني  وأحسست بأني اثناء الطواف حول الكعبة كأني أصعد إلى السماء أطوف مع الكواكب حول الشمس أو أطوف مع النجوم في هذا الفلك  نعم فكل شئ في هذا الكون يطوف من الذرة حتي المجرة  ولكنني أطوف بإرادتي وطاعة لله ومحبة له أسلمت وجهي وقلبي وروحي لله.

لما وصلت إلى جدران الكعبة ووقفت علي بابها ودعوت ربي وبكيت كالطفل الصغير بكاءا شديدا  احسست أن الذنوب تتساقط مني وأن قلبي يتطهر ويغسل ويتخلص من الذنوب.

تذكرت قول هذا الرجل الصوفي (من ذاق عرف ومن عرف اغترف ومن اغترف اعترف ومن اعترف أدمن ما عرف).

استشعرت معنى قول النبي صلي الله عليه وسلم ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً) أدركت وقتها معاني جديدة لرقة القلوب وحلاوة الطاعة ولذة القرب من الله  أحسست كأني اعرف الإسلام لأول مرة. 

فمن عاش هذه اللحظات  هو من يدرك  حقيقة هذا الشعور  حقيقة أنه ولد من جديد وعاد كيوم ولدته أمه خاليا من الخطايا والذنوب وشكرت الله على أن أنعم عليّ واختارني من بين هذه المليارات لبداية جديدة مع الله.