مقالات

محمد محفوظ يكتب: الإمام والسر الباتع 

خط أحمر

بينما كنت أسير في شوارع القاهرة المزدحمة وجدت نفسي في طريق ممتد أخذني من صخب وزحام ميدان السيدة عائشة وسط القاهرة، إلى حارات ضيقة، تفضي بك في النهاية إلى مقابر وآثار في منطقة القرافة الصغرى بالقاهره القديمة لأجد نفسي أمام ضريح الإمام الشافعي، وأجد عشرات المصريين وغيرهم من زوار مختلف دول العالم، خاصة من دول شرق آسيا، يقفون بانتظام في طابور طويل أمام الضريح،
كان من بين هؤلاء الناس وفد من جنوب شرق آسيا ومعهم مرشدة سياحية من مصر تسمى (هاجر الجوهري) وأخذت تحكي لنا بأن الإمام الشافعى هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلِبي القرشي وهو ثالث الأئمة الأربعة، إحدى المذاهب الفقهية السنية.

ولد في غزة عام 767 وعاش رحلة علم طويلة تنقل خلالها بين غزة والحجاز واليمن والعراق، ثم كتب الفصل الأخير في حياته ليدفن في مصر عام 820.

قام صلاح الدين الأيوبي ببناء تربة الشافعي عام 572هـ/ 1176م، وهي أول مبنى يقوم على قبر الشافعي، وفي عام 574هـ/ 1178م، تم الانتهاء من عمل التابوت الخشبي الذي يعلو التربة، وهو مزخرف بحشوات هندسية منقوشة نقشاً غاية في الإتقان، وكتبت عليه آيات قرآنية، وترجمة حياة الشافعى.

وقد تم بناء قبة السلطان الكامل الأيوبي به عام (608 هجرية- 1211 ميلادية)، إكراما وتعظيما للإمام الشافعي، وتعتبر هذه القبة من أكبر الأضرحة في مصر على الإطلاق ومسجلة في عداد الآثار الإسلامية رقم 251.

وقد سأل أحد الزورا الأندونيسين المرشدة عن السفينة المنحوتة والموضوعة اعلى القبة ويتدلى منها سلسلة حديدية، وقد أجابت بأنه تضاربت الاقوال حول هذه السفينة، فهناك مقولة بأنها مدلول على قيمة الامام الشافعي وأن علمه كسفينة ، ومقولة اخرى بأنها عادة فرعونية فالسفينة هي الخلاص والنجاة من الاثام وموجودة في المعابد الفرعونية وفي اخرى بأن السفينة تعرف باسم العشاري ، والعشاري مركب صغير خاص كان يستخدم في النيل والخلجان منه ما هو خاص بالملك ومنه ما هو خاص بكبار رجال الدولة, وفي كل الاحوال لم يتوصل احد الى السبب الحقيقي في وضع هذه السفينة في هذا المكان والى ماذا ترمز ؟

أخذت المرشدة السياحية تحكي لنا بأن من شدة حب المصريين للإمام الشافعي وتعلقهم به فإنهم يزورونه، ويمارس بعضهم طقوسًا لا تخضع للعقل فبعضهم يكتب ورقة فيها أسئلة ويلقيها داخل الضريح وذلك بعد قراءة الفاتحة والدعاء له منتظرًا من الإمام أن يرد على سؤاله، وقد يضع بعضهم عملة معدنية أو ورقية داخل هذه الورقة، لأنه مؤمن من وجهة نظره بأن الإمام سره باتع.

والأغرب أنه كان كثير من الرسائل يرسل بالبريد ويتسلمها المسؤول عن الضريح، ثم يجمعها ويعدمها كل أسبوع، وكانت تكتب في صورة شكوى أو مظلمة ، ولكن هذا الموروث الشعبي من إرسال رسائل عبر البريد توقف بأوامر حكومية،

وهناك الكثير من الخرافات التي يصنعها الناس بسبب حبهم الشديد لأولياء الله الصالحين فمن هذه الخرافات العجيبة أن الوزير السلجوقي نظام الملك طلب نقل رفات الشافعي إلى مدرسته في بغداد . ولكن عند بدء الحفر، فاحت من القبر رائحة عطرية مسكرة أغمت جميع الحاضرين. وتم التراجع عن استخراج الجثمان.

وما زال إلى الآن حب أولياء الله في قلوب الكثير من الناس وكل محب يعبر بطريقة مختلفه لمحبوبه فمنهم من يتبرك بهم، ومنهم من يطلب منهم المدد والعون ومنهم أيضا من يحرم هذا، وهنا قاطع أحد الزوار المصريين المرشدة وقال لها ألم تسمعي كلام قيس عاشق ليلى؟! الذي يقول فى شعره "أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار، وما حب الديار شغفن قلبى، ولكن حب من سكن الديار"، منوها أن التقبيل فى حد ذاته يكون من حب الشئ وغلبة الشوق عليه، ضحك الجميع وفي الختام قالت المرشدة السياحية بأن من أبرز من دفن في ضريح الإمام الشافعي من أسرة صلاح الدين الأيوبي هي زوجته الملكة "شمسة"، وابنه "العزيز عثمان"، كما دفن فيه أيضاً الملك "الكامل بن العادل"، وفي الضريح أيضا أولاد "ابن عبدالحكم".
حفظ الله مصر وشعبها.

محمد محفوظ الإمام والسر الباتع خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك القاهرة
بنك مصر