محمد عبد اللطيف يكتب: حكايتى مع وحيد حامد


ذات يوم من أيام شهر فبراير عام 2006 ، وبينما كنت أتابع سير التحقيقات حول غرق العبارة السلام فى البحر الأحمر ، رن جرس الهاتف .. على الطرف الثانى، الأستاذ عادل حمودة ـ كنت أعمل وقتها فى جريدة الفجر ـ أنت فين يا محمد ؟ ، قلت له فى شغل.
قال : طيب ... الأستاذ وحيد حامد عايزك ، ده رقم تليفونه ، وابقى كلمه .
لم أكن وقتها أعرف وحيد حامد ،إلا من خلال أعماله السينمائية و الدرامية ، وقراءة مقالاته السياسية الممتعة فى مجلة روزاليوسف.. لوهلة ظننت أن لديه ملفاً، أو وثائق تتعلق بوقائع فساد،ويريد أن يمدنى بها، لاجراء تحقيق حولها ، خاصة أننى كنت مهموماً بالبحث فى دفاتر شخصيات بارزة من المتورطين فى قضايا فساد .
عندما وصلت الى مقر الجريدة بميدان أسوان " المهندسين" ، تقابلت مع الزميلين وائل عبد الفتاح، وخالد حنفى " رئيس تحرير مجلة الاذاعة والتليفزيون حالياً " ، أخبرانى أن وحيد حامد عايزنى فى شغل ، رددت ضاحكاً .. شغل إيه ياعم .. أنا لا لىَ فى السينما ، ولا لىَ فى الدراما ، ياريت ترشحوله أى حد تانى ،يكون دايس فى السكة دى ، فقال لى خالد حنفى : هو طلبك بالاسم .
اتصلت بالأستاذ وحيد حامد، ولم نتطرق خلال المحادثة القصيرة لأى حديث، سوى الاتفاق على موعد المقابلة بفندق جراند حياة على النيل، صباح اليوم التالى من الاتصال الهاتفى .
عندما وصلت فى الموعد المحدد ،وجدت بصحبته صحفى لبنانى، يجرى معه حوار ، جلست .. وبعد نحو نصف ساعة تقريباً، انصرف الصحفى اللبنانى ، ودار الحديث بيننا فى أمور يدور مجملها فى الهم العام والفساد وغير ذلك ، فضلاً عن الثناء على التحقيقات التى أنشرها، وعلى الأخص، ما تضمنته تحقيقاتى حول غرق العبارة السلام 98 ، ولغز علاقة ممدوح اسماعيل بالكبار فى دوائر السلطة .
قال لى : أنا أقوم باعداد عمل فنى ضخم حول العبارة ، وأريد منك التعاون معى ، شوف هتاخد كام، وهتنفذ الشغل دا امتى؟ .. قلت له على المبلغ والمدة الزمنية " كانت أسبوعين " .. بالمناسبة قبل أن أحدد المبلغ، سرحت بخيالى ، فنظر اليَ والابتسامة تكسو وجهه ، فقال ايه هتاخد كام ؟ .. على الفور تعاملت مع الأمر ،وكأننى سأقوم باعداد سلسلة تحقيقات لمجلة عربية كبيرة ،ليس أكثر من ذلك ، فقام هو بوضع نصف المبلغ المتفق عليه داخل مظروف وأعطانى إياه، ثم انصرفت ..بعد أسبوعين عاودت الاتصال به ، وتقابلنا ، وما أن قرأ الورق الذى كتبته ، ابتسم وقال لى ، إحنا اتفقنا على كام ، قلت له ، اتفقنا على كذا ، أخذت كذا وباقى كذا " المبلغ الذى طلبته كان يليق بالتعاون فى عمل فنى كبير" ، وكانت المفاجأة من وحيد حامد ، حين قام بتحرير شيك مسحوب على بنك القاهرة " له فرع داخل الفندق" ، كان المبلغ المدون ضعف المبلغ المتبقى لى ، نظرت اليه باستغراب .. قال لى والابتسامة تكسو وجهه ، هذا يلائم جهدك وبراعتك فى التقاط الفكرة .
بعد فترة تجاوزت العام على الأقل ، فوجئت باتصال هاتفى من الأستاذ وحيد ، قال لى، تعالى لى بكرة الصُبح تاخد القهوة معاى، وذهبت اليه ، وجدته يحدثنى عن عمل آخر ، سيقوم باعداده .. سألته عن موضوع العبارة ، وحقيقة ما يتم تداوله من تدخل بعض الجهات لمنع انتاجه ، فكان متحفظاَ فى اجابته بقدر ، يشى بتعرضه لضغوط كبيرة جداً .
على أى حال، قمت بتنفيذ المطلوب فى مشروعه الجديد، وحصلت على المبلغ المتفق عليه، ثم انصرفت ولم أتقابل معه مرة أخرى .. هزنى خبر رحيله ، فالذى رحل لم يكن مجرد كاتب كبير ، إنما رمزاً من رموز قوة مصر الناعمة ، اشتبك ببراعة مع القضايا الشائكة ، فجسد بأعماله حقبة مهمة من تاريخ هذا الوطن ومعاركه ضد الارهاب وضد الفساد .