خط أحمر
الأربعاء، 25 يونيو 2025 02:13 صـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

الدكتور محمد سيد أحمد يكتب: لن تسقط إيران بالحرب النفسية والسرديات الوهمية!

خط أحمر

عندما تندلع حروب كبرى، أو تكون على وشك الاندلاع، فعادةً ما يصاحبها حروب نفسية، تتضمن سرديات وهمية، غالباً ما تساعد المنتصر على هزيمة خصمه، خاصة إذا كان الطرف المنتصر يمتلك آلة إعلامية ضخمة ومسيطرة على العقل الجمعي سواء محلياً أو إقليمياً أو دولياً، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية من أكثر من استخدم هذه الحروب النفسية والسرديات الوهمية في حروبهم الأخيرة، وبالطبع ساعدهم على ذلك امتلاكهم لآلة إعلامية جهنمية جبارة، سيطرت على العقل الجمعي العالمي في ظل عصر العولمة والسموات المفتوحة، وسيادة شبكة الإنترنت، وتطبيقاتها التي تنقل الأخبار بسهولة ويسر لكل مواطن يعيش فوق كوكب الأرض، فخلال حرب تحرير الكويت التي بدأت في ١٧ يناير ١٩٩١ وعرفت باسم "عاصفة الصحراء" قادت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاَ دولياً وعربياً لتحرير الكويت التي غزاها الجيش العراقي بأمر من صدام حسين وتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها في ٢ أغسطس ١٩٩٠، وفي تلك الحرب كانت بداية استخدام وسائل الإعلام عبر بث مباشر بالصوت والصورة من أرض المعركة، مما جعلها أول حرب يتم تغطيتها بشكل مكثف ومباشر على نطاق واسع، وكانت شبكة CNN هي أول من نقل الأحداث مباشرة من بغداد عند بدء الهجوم الأمريكي على العراق لتحرير الكويت، وخلال هذه الحرب استخدمت كل أشكال الحرب النفسية والسرديات الوهمية حتى انتهت الحرب، ومنذ ذلك التاريخ والعدو الأمريكي وحليفه الصهيوني يستخدم هذه الأدوات في كل حروبه سواء المباشرة أو غير المباشرة، فأثناء الغزو الأمريكي للعراق في ٢٠٠٣، سقطت بغداد عبر الحرب النفسية والسرديات الوهمية وعلى شاشات الإعلام الغربي والعربي العميل قبل سقوطها الفعلي، وتكرر المشهد بعد ذلك كثيراً خاصة خلال أحداث الربيع العربي المزعوم حيث تهاوت الأنظمة وسقطت المدن المدينة تلو الأخرى قبل سقوطها في الواقع شاهدنا ذلك في تونس ومصر وليبيا واليمن وأخيراً وقبل شهور في سورية.

وقبل الخوض في تفاصيل الحرب النفسية والسرديات الوهمية التي يحاول العدو الأمريكي وحليفه الصهيوني تسويقها في الحرب الدائرة الآن مع إيران، وجب الوقوف قليلاً، لتوضيح المقصود بالمفهومين، وعرضهما بشكل مبسط للقارئ، حتى تكون هناك أرضية مشتركة، وحتى يزول أي التباس، "فالحرب النفسية يمكن تعريفها بأنها استخدام أساليب نفسية للتأثير علي مشاعر وسلوك الأفراد والجماعات من أجل تحقيق أهداف معينة، وغالباً ما تكون هذه الأهداف عسكرية أو سياسية، وتتضمن الحرب النفسية مجموعة متنوعة من الأنشطة، مثل الدعاية، ونشر الشائعات، والتلاعب بالمعلومات، واستخدم وسائل الإعلام للتأثير علي الرأي العام"، وفيما يتعلق بالتأثير على المشاعر تقوم الحرب النفسية بإثارة مشاعر الخوف والقلق واليأس، والتشكيك في نفوس الأفراد المستهدفين، أما بالنسبة للتأثير على السلوك فتسعى لتغير سلوك الأفراد واتجاهاتهم السياسية، وقراراتهم، وتفاعلهم مع الأحداث، ومن أهم الوسائل المستخدمة في الحرب النفسية هي الدعاية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف التأثير النفسي، وتهدف الحرب النفسية لتحقيق أهداف عسكرية مثل أضعاف معنويات العدو، وزيادة التعاون مع القوات المهاجمة، أما الأهداف السياسية فتتمثل في التأثير على الرأي العام، وإحداث تغييرات سياسية، وتعتبر الحرب النفسية من أخطر أنواع الحروب الآن فمن خلال الدعاية تنشر معلومات مضلله ومغلوطة للتأثير علي الرأي العام وتوجيه سلوك الأفراد، وتروج الشائعات حول العدو أو الأوضاع لزرع الفتنة وزعزعة الاستقرار، ويتم التلاعب بالمعلومات ونشر معلومات مضللة للتأثير على الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أما فيما يتعلق بمفهوم السرديات الوهمية "فهي عبارة عن روايات وقصص كاذبة ومفبركة وزائفة يتم صياغتها ونسجها حول قضية أو موضوع محدد، في محاولة لإضفاء شرعية على مجتمع أو نظام معين، بحيث تتجاوز هذه السرديات الأحداث الفردية لتقدم تفسيراً واسعاً يتضمن مساحة كبيرة من البشر، وتهدف السرديات الوهمية تبرير وتأكيد معتقدات وقيم وأفكار محددة، قد لا تتوافق مع الواقع بشكل كامل، أو تكون مبنية على افتراضات غير دقيقة، وذلك من أجل التأثير على وعي الأفراد وطريقة تفكيرهم ومواقفهم، والسرديات الوهمية هي أدوات قوية للتأثير على الأفراد والمجتمعات". ولعل أهم وأشهر السرديات الوهمية التي تم استخدامها من قبل العدو الأمريكي وحليفه الصهيوني في الحرب النفسية معنا هي "أن العدو الصهيوني يمتلك جيش لا يقهر"، "ولديه قوة عسكرية تعادل ما تمتلكه كل دول وجيوش المنطقة"، "وأن العدو الأمريكي يقف خلفه ويمده بكل ما يحتاجه لإنهاء أي حرب لصالحه"، وبالطبع هذه السردية الوهمية تم الترويج لها عبر الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة للعدو وللأسف الشديد استخدمت بعض النخب داخل مجتمعاتنا للترويج لها، وللأسف أيضاً صدقتها قطاعات واسعة من الرأي العام، لكن يمكننا القول أنها سقطت منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ مع عملية طوفان الأقصى، وتتأكد تماماً منذ بدء الرد الإيراني الراهن.

بعد فشل العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة في غزة سواء بالقضاء على حركة حماس أو تهجير الشعب الفلسطيني الموجود بالقطاع وتوطينه على الأرض المصرية في سيناء، سقطت سرديته الوهمية التي تقول أنهم قادرون على تحقيق النصر، وأنهم الجيش الذي لا يقهر، فقد استطاعت قوى المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة الصمود لمدة ٢٠ شهر، ولم تكتفي بذلك بل كبدت العدو الصهيوني خسائر هائلة في المعدات والأرواح وبإمكانيات عسكرية بسيطة، ومع سقوط السردية الصهيونية بدأ العدو في استخدام كل أشكال الحرب النفسية، وذلك عبر التلويح بقدرات العدو الأمريكي في فرض إرادته، فوجدنا الرئيس الأمريكي المعتوه دونالد ترامب يخرج لتهديد سكان غزة بالإبادة إن لم تستسلم المقاومة ويخرج السكان إلى مصر والأردن أو حتى المملكة العربية السعودية، وبالطبع لم تأتي هذه التهديدات بنتائج على أرض الواقع، فالشعب الفلسطيني المقاوم والمتجذر في أرضه لم تفلح معه أي حروب نفسية ولا سرديات وهمية، بل استطاع خلال حرب غزة أن يسقط كل السرديات الصهيونية الوهمية المتغلغلة في العقل الجمعي العالمي، ويثبت مكانها السردية الفلسطينية الحقيقية، والتي تقول أننا أصحاب الأرض والحق، وأننا صامدون حتى تحرير كامل ترابنا الفلسطيني المحتل، وأن العدو الصهيوني ما هو إلا مغتصب للأرض ويقوم بحرب إبادة تحت سمع وبصر العالم أجمع.

وفي محاولة العدو الصهيوني الهروب للأمام قام بالتنسيق مع العدو الأمريكي، وشن عدوان مفاجئ على إيران، أحد أهم وأكبر القوى الإقليمية المعادية للعدو الأمريكي وحليفه الصهيوني، ودارت الحرب النفسية والسرديات الوهمية قبل وبعد العدوان، حتى توهم البعض أن الضربة الأولى سوف تقضي على إيران، وستؤدي إلى سقوط النظام في ساعات كما حدث في سورية، لكن الرد الإيراني الذي جاء بعد ساعات قليلة أذهل العالم أجمع، وانهارت معه كل السرديات الصهيونية، ففي غضون ساعات من القصف الصاروخي الإيراني للأراضي المحتلة، خرجت وسائل إعلام العدو تصرخ، رغم التحذيرات من عدم الإفصاح عن الخسائر التي تكبدها العدو، وأشارت التقارير أن ما تعرض له العدو لم يشهده منذ تأسيس الكيان قبل ٧٧ عاماً، وخلال أيام معدودة تحولت مدن الكيان لمدن أشباح مهدمة وكأن الصور مستنسخة من غزة، وبذلك شرب العدو من نفس الكأس، وهرول قادة العدو يستغيثون بحليفهم الأمريكي الذي كان قد أعلن عدم علمه بالعدوان الصهيوني على إيران، وسقطت سردية العدو الأمريكي حين تهور الرئيس المعتوه دونالد ترامب ووجه ضربة وهمية للمنشآت النووية الإيرانية بقرار منفرد دون أخذ موافقة الكونجرس، وبعد الضربة خرج في مشهد سينمائي هزيل ليمارس حرباً نفسية جديدة، ويقول أنه تم تدمير كل المنشآت النووية الإيرانية، ولم يعد هناك ملف نووي إيراني، وعلى إيران أن توقف الحرب وتتجه للسلام، وبالطبع ولدت هذه السردية الوهمية ميته، فاليورانيوم المخصب الذي يمكن تحويله إلى قنابل نووية تم نقله خارج المنشآت التي تم قصفها منذ فترة ليست بالقصيرة، والمنشآت ذاتها ما أصابها هو إصابات طفيفة يمكن ترميمها في وقت قصير، وإذا كانت الضربة قد أنهت الملف النووي الإيراني بشكل كامل فلماذا إذن دعوة إيران للجلوس على طاولة المفاوضات؟! ، وما هو الذي سوف تتفاوض عليه؟!، ورغم أن السردية وهمية، لكن إيران كانت جاهزة برد سريع في اليوم التالي حيث استهدفت أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية خارج حدودها وهي قاعدة العديد في قطر بضربات صاروخية قوية ومدمرة، وكذلك قاعدة عين الأسد في العراق وهي القاعدة التي استهدفتها إيران قبل ذلك رداً على اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني الشهيد قاسم سليماني، لذلك يمكننا القول أن هذه الحرب النفسية، وهذه السرديات الوهمية لا يمكن أن تجدي نفعاً مع دولة بحجم إيران، تعرضت عبر تاريخها الطويل للكثير من هذه الحروب والسرديات، فالحرب الحالية التي فككت الكيان الصهيوني الضعيف والهش وجعلت المستوطنين الصهاينة يفرون هرباً من أرض الميعاد المزعومة، هي نفسها التي وحدت الصف الإيراني وجعلت كل الإيرانيين على قلب رجل واحد، هذه هي الدول ذات الحضارات الضاربة جذورها في أعماق التاريخ لا يمكن أن تسقط بفعل الحرب النفسية ولا السرديات الوهمية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الدكتور محمد سيد أحمد لن تسقط إيران بالحرب النفسية والسرديات الوهمية خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة