الدكتور أحمد عبود يكتب: المعركة مع إسرائيل.. معركة عقيدة لا حدود


ليست القضية الفلسطينية مجرد نزاع سياسي بين دولتين على أرض متنازع عليها، وليست الحرب مع إسرائيل مجرد معركة عسكرية تُحسم بتفوق السلاح أو اتفاقية سلام، بل هي في جوهرها وأصلها معركة عقيدة، صراع بين مشروعين: أحدهما يقوم على الإيمان بوعد سماوي محرف، والآخر يستمد شرعيته من عقيدة راسخة ربطت بين الأرض والسماء، بين التاريخ والدين، بين الإنسان والمبدأ.
فمنذ أن وُلد المشروع الصهيوني، لم يكن هدفه فقط إنشاء وطن قومي لليهود، بل إقامة كيان يحمل في جوفه دعوى دينية مغلفة بالسياسة، يزعم أن "أرض الميعاد" من النيل إلى الفرات حقٌّ توراتي لهم، وأن كل من يعيش على هذه الأرض دخيلٌ أو عابرٌ ينبغي أن يُزال. لذلك جاء الاحتلال مشحونًا بعقيدة حاقدة، لا ترى في الإنسان الفلسطيني إلا عائقًا أمام تحقيق الوعد الإلهي المزعوم.
وفي المقابل، لم تكن مقاومة هذا المشروع – خاصة من الشعب الفلسطيني – مجرد تمسك بأرض أو دفاع عن بيت، بل كانت وما زالت مقاومة دينية، تتغذى من القرآن الكريم، وتستنير بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتؤمن بأن الدفاع عن المسجد الأقصى ليس شرفًا فقط، بل فريضة و"عقيدة". فالأقصى ليس مجرد مسجد، بل هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله في الإسراء والمعراج. أي عدوان عليه هو عدوان على الأمة كلها، وكل تخاذل عنه خذلان للعقيدة قبل أن يكون خيانة للوطن.
ولعل ما يميز هذه المعركة أنها لا تخضع لحسابات الزمان والمكان المعتادة. فالذي يصمد في وجه الدبابات والطائرات في غزة لا يفعل ذلك لأنه يملك توازنًا عسكريًا، بل لأنه يملك عقيدة النصر أو الشهادة، وهو ما لم تستوعبه إسرائيل رغم ما تملكه من أسلحة وتكنولوجيا. القوة لا تُقاس بما تملكه من ترسانة، بل بما يسكن قلبك من إيمان. وهنا تفشل الصهيونية في تفسير كيف ينتصر المحاصرون، وكيف يزرع الموت الحياة في نفوسهم، وكيف تخرج من تحت الركام إرادة لا تُقهر.
الصهيونية العالمية لم تكتفِ باحتلال الأرض، بل تسعى لاحتلال العقول. تحاول أن تُفرغ القضية من بعدها الديني، فتسمي المقاومة "إرهابًا"، وتصف الدفاع عن المقدسات بأنه "تطرف"، وتغذي داخل المجتمعات العربية مفاهيم "التعايش الزائف" و"الواقعية السياسية"، في حين أنها هي ذاتها تربي أجيالها على أن الفلسطيني خطر وجودي يجب استئصاله.
إن ما يجري اليوم في فلسطين هو تذكير دائم بأن المعركة لن تنتهي بمؤتمر أو وثيقة، لأنها معركة تتجاوز الجغرافيا إلى الإيمان، وتخترق السياسة لتصل إلى أصل العقيدة. وكلما حاول البعض أن يُغلفها بمسميات براقة كـ"حل الدولتين" أو "السلام العادل"، تكشف الحقيقة عن وجهها: هذا الصراع لا يُحسم إلا إذا انتصر الحق على الباطل، والإيمان على الزيف.
نحن في معركة مع مشروع لا يعترف إلا بنفسه، ولا يرى في الآخر إلا عدوًا، وهذا المشروع لن يُهزم بالحياد، ولا بالتطبيع، ولا بالأغاني، بل بهوية مؤمنة، وعقيدة واعية، وقلب لا يساوم. وعندما نُدرك أن هذه المعركة هي معركة بين من يؤمن بـ"لا إله إلا الله"، ومن يؤمن بأنه "شعب الله المختار"، سيتضح الطريق.
> "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: 40)
"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ" (التوبة: 14)
وما النصر إلا صبر ساعة، والنهاية لا يكتبها الأقوى، بل الأصدق ايمانا