أحمد رجب يكتب.. ولادنا في مواجهة ولاد رزق !!


درسنا وتعلمنا وتربينا على مبدء الجريمة التي لاتفيد !!.. كما درسنا وتعلمنا أن الغاية وإن كانت شريفة لا تبررها الوسيلة الحقيرة !! .. فما بالكم إن كانت الغاية غير شريفة والوسيلة هي ارتكاب الجريمة !! .. لقد شاهدت ذلك ولم أصدق نفسي وأنا أشاهد هذا الفيلم العربي العار على السينما المصرية الذي يكرس البلطجة ويدعو للجريمة ويؤصل العنف والذي يحمل اسم " ولاد رزق" .
ماهذا الإسفاف ياسادة !! .. كيف تسمح الرقابة بخروج فيلم هكذا !! .. فيلم أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه بالكامل يمثل تجسيد الركن المعنوي للجريمة خاصة لدي المراهقين والشباب الصغير الذين امتلأت بهم قاعات العرض !! .. والغريب أنني أرى البعض من الكتاب والنقاد ممن يشيدون بهذا الفيلم المحرض على الجريمة !! .. هم يشيدون بالمتعة والإبداع والتميز والقصة.. وأنا هنا في قمة الدهشة من هذا الإطراء الغير مبرر؟!!.
أراه إطراءً وإشادةً حماسية لا تنطوي على قراءة جيدة للإسكربت أو للنص المكتوب الذي هو تحريض بكل ماتحمله الكلمة من معاني على ارتكاب الجرائم وبالأخص جرائم النفس وجرائم الأموال العامة المنصوص عليها في القانون الجنائي بشقيه العقابي والإجرائي !!.. الفيلم بالفعل لا يخلو من المتعة والإثارة والتشويق والسيناريو المتماسك المتناغم ولكنها متعة الحرام وتشويق الجريمة المعاقب عليها والإثارة الجنائية والجنسية والإيحائية والغير إيحائية !!..
سيناريو متناغم نغم العزف على أوتار الشياطين وصلب صلابة جذور شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى بأنها تنمو في أصل الجحيم !! وبأن طلعها كأنه رءوس الشياطين !! .. قصة الفيلم تخاطب المسجلين خطر والبلطجية وأرباب السوابق وإن جاز التعبير البلدي الركيك نقول إنها تخاطب "الشوارعجية" !! .. أي قصة هذه التي أثني عليها كتاب ونقاد فنيين ؟!! .. أي قصة وأي لذة وأي متعة في هذا الفيلم الذي يكرس كل أسباب الجريمة والعنف والبلطجة !!.. وحتى لايتوه مني البعض ممن يتابع مقالي هذا أو يتعجب أو يندهش من هجومي ذاك فإنني أوجز لكم فكرة الفيلم في أنهم مجموعة من الشباب المرتزقة الضائعين القاطنين في حي مصر القديمة العريق والذين يتباهون بأنهم من مواليد مصر القديمة ويطلقون على أنفسهم في الفيلم مصطلح "أسود عين الصيرة" !! .. وهم أولاد المجرم المخضرم الذي يدعي "رزق" !!.
يقومون بأعمال سلب ونهب وقتل وسرقة وغسيل أموال وتغيير عملة ونصب واحتيال في غياب تام من أجهزة الأمن ويتعاملون مع ظابط شرطة مفصول من وزارة الداخلية المفترض أنه كان قبل فصله يعمل رئيسًا لوحدة مباحث قسم مصر القديمة وكانوا هم مسجلين خطر لديه وكان الظابط حسب سياق الفيلم معجب ومنبهر بإجرامهم وموهبتهم في البلطجة وفرض السيطرة على خلق الله فيقرر بعد فصله من الداخلية أن يذهب لهم ويطلب منهم معاونته في ارتكاب جرائم كبرى تجلب لهم الثراء الفاحش السريع الذي يبحثون عنه منذ سنوات طويلة فيوافق أولاد رزق وينضموا للضابط المفصول ليكونوا جميعهم تشكيل عصابي متخصص في ارتكاب الجرائم الكبري !!.
ونجدهم يتعاونون أيضاً مع موظف مرتشي يعمل في إحدى السفارات الأجنبية الشهيرة في مصر !! .. والغريب جدا جدًا في هذا الفيلم العربي العار على السينما المصرية أن نهاية الفيلم كانت نهايتين سعيدتين !! .. فقد استطاع أولاد رزق أن ينفذوا جرائمهم بمهارة فائقة وحصلوا في نهاية العمل على ملايين الدولارات المحرمة بفضل ذكاءهم الإجرامي الخطير وقوتهم البدنية الرهيبة !! .. وهذه هي النهاية الأولي .. أما النهاية الأخيرة فإن المخرج يقترب بالكاميرا من البوابة الرئيسية لليمان طرة لنجد الفنان سيد رجب الذي لعب ضيف شرف في هذا الفيلم .. نجده يخرج من بوابة السجن وهو حريص أن يطمئن على أخبار أولاد رزق بما يوحي بالتحضير لعمل جزء ثالث لهذا الفيلم !! ..
وطوال الفيلم نجد أولاد رزق وهم يفتخرون بأنهم من شجعان وأسود مصر القديمة وكأن مصر القديمة هي أكاديمية إجرامية يتخرج منها عتاة المجرمين والمسجلين خطر !! .. مصر القديمة هذا الحي العريق الأصيل الذي لايتسع المقام هنا للحديث عنه وعن شباب هذا الحي وبناتة وشيوخه وعجائزه ممن كان لهم صولات وجولات فارقة في تاريخ الحارة المصرية القديمة وفي النضال الشعبي الوطني ضد الإنجليز وفي تقديم نخبة من نجوم الفن والثقافة والأداب بل والرياضة ممن ٱثروا الحياة والمجتمع بالفكر والتنوير والوطنية والكرامة والشرف وليس بالجريمة والسلب والنهب والبلطجة !!
العمل السينمائي أو الفن بشكل عام هو مرآة للمجتمع .. هو مرآة حقيقية تعبر عن واقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والعلمية والأمنية داخل المجتمع المصري .. فإن لم تكن السينما وهي أبرز وأعظم هذه الفنون على الإطلاق .. إن لم تكن معبرة وكاشفة وجامعة ومانعة لحقيقة ما يموج به المجتمع من قضايا تستحق العرض على شاشتها العملاقة فعليه العوض ومنه العوض كما يقول معظمنا ممن يفقدون الأمل !!.. الإبداع له أبواب عديدة ياسادة.. أبواب معظمنا دلف منها بصحبة نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، ويوسف إدريس، ومحفوظ عبدالرحمن، ويحيي حقي، وصالح مرسي، وأسامة أنورعكاشة، وغيرهم وغيرهم !!
بالطبع هناك في ذاكرة السينما أقلام عديدة تناولت البلطجة والجريمة مثل اللص والكلاب والسوق والفتوة وغيرها.. لكنها أبدًا لم تكرس الجريمة وكانت النهاية المنطقية فيها هي حبس وسجن المتهم أو الجاني ورفع شعار واحد وهو " الجريمة لاتفيد " فيخرج الشباب والمراهقين بداخلهم رهبة وخوف وخشية من مجرد التفكير في محاكاة أو تقليد أبطال الفيلم المذنبين .. وكان الأب والأم يخرجان من دور العرض في سعادة وزهو وقناعة .. والأب يضغط على أيدي نجلة المراهق النحيل ويهمس في أذنة قائلا " شوفت اللي بيمشي غلط بتكون نهايتة أيه.. وشوفت اللي بيمشي صح ربنا كافأه بإيه".. والأم هي الأخرى تهمس لإبنتها بنفس المعنى وذات الكلام .. لتتجسد القيم من السينما المصرية وتتوارث الأعراف والتقاليد الاجتماعية الحميدة وتتأصل الأخلاقيات والفضائل ونبذ العنف والبلطجة والجريمة ورفع شعار الجريمة لا تفيد .
لايسعني سوي أن أهمس في أذن الفنان المتميز أحمد عز وأقول له " شتان الفارق بين دورك في الممر ودورك وأنت الإبن البكري من بين أبناء رزق " !!
أما المؤلف والمخرج فلا وشوشة لهم ولا همس وإنما أقول لهم بنبرة حادة مرتفعة " حسبنا الله ونعم الوكيل" فأنتم أصحاب الجرم الأكبر ومعكم منتج العمل والرقابة التي سمحت بالموافقة عليه.. رحم الله زمن الجريمة التي كانت لاتفيد !! .. والله يعينا ويعين ولادنا علي مواجهة ولاد رزق !!!!!!