خط أحمر
الأحد، 4 مايو 2025 04:49 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

جمعة قابيل يكتب.. رجال الجنة (1)

خط أحمر

هو عبدالله أو أحمد أو جورج .. ليس مهمًا الاسم .. فاسمه مثل أى اسم .. أسرته بسيطة مثل آلاف الأسر الريفية .. لونه كما معظم أقرانه.. فلا هو أسمر ولا هو أشقر .. جسده نحيف وصحته لا بأس بها بحكم عمله بيديه بالأرض طوال النهار.

ولد في قرية بعيدة وسط القرى والنجوع .. لم تكن بقريته وقتها أي خدمات.. فلا ماء ولا كهرباء ولا حتى صرف صحي .. وبالطبع لا مدارس ولا طرق ولا شيء .. مجرد مكان فقير يسمى كتاب يديره شيخ كفيف لتحفيظ القرآن .. ويربط القرية بالعالم الخارجي مجرد طريق أسفلتى بسيط .. تمر عليه بعض السيارات النادرة .

في طفولته لم يعرف غير الاستيقاظ مع الفجر ليذهب مع أخوته إلى الحقل.. ويبدأ عمله معهم في ري وحرث وزراعة الأرض .. وينتظر قدوم والدته ببعض الطعام ليتناولون جميعا الغداء تحت شجرة زرعها والده قبل وفاته بسنوات.

وطعامهم في أحسن حالاته ليس أكثر من خبز جاف وقطع من الجبن وبعضا من ثمار الطماطم والخيار.

ويمر اليوم كالأمس والأمس كالغد.. لا فرق سوى أن هذا الطفل يكبر بمرور السنوات.

لم يعرف القراءة والكتابة.. رغم حفظه بعضًا من آيات القرآن الكريم بالكتاب.. ولم يتعلم مهنة أو حرفة.. فقط كل ما عرفه وتعلمه كيف يجيد زراعة قطعة الأرض التي يدفع هو وأخوته إيجارها السنوي لمالكها الذي يأتي كل عام ليأخذ الإيجار وبعضًا من خيرات أرضه.

اعتاد عبدالله أداء الصلوات في وقتها.. الظهر والعصر وغالبًا المغرب وسط الحقول والفجر والعشاء بالمسجد البسيط بالقرية.

رغم بساطة حياته كان راضيًا وأقصى أحلامه أن يرى أمه سعيدة  وغير مهمومة.

أما الأم فكان حلمها أن تجد له بنت الحلال وتزوجه بغرفة بمنزلهم البسيط.. كما زوجت أخوته الأكبر.

وبالفعل تزوج في ليلة رقص فيها الجميع على أنغام الطبلة والمزمار ورأى السعادة تملأ وجه والدته التي سمعها تتمتم بآيات شكر لله الذي منحها القوة والصبر والخير حتى أكملت رسالتها وزوجت عبدالله آخر العنقود.

وبعدها فوجئ باستدعائه لأداء الخدمة العسكرية.. وهو شرف يفخر به كل مصري مهما كانت طبقته الاجتماعيه.. كان هذا الحدث بالنسبة له حدثا جللًا.. فها هو ولأول مرة يخرج خارج قريته.. ويبتعد عن أمه وإخوته وزوجته .

بالجيش تعلم التضحية وحب الوطن.. وفهم أن وجوده وتدريباته بالصحراء ليس نوعًا من الترف.. ولكن ليكون مستعدًا دائمًا للدفاع عن أرضه وعرضه.. وكان نموذجًا للشاب المصري القوى البطل في كل المهام التى أسندت إليه.

أنهى خدمته العسكرية بإمتياز وهو أكثر رجولة والتزاما.. وعاد إلى حضن قريته يرعى أمه وزوجته.. ويعمل ليل نهار في زراعة نصيبه من الأرض المستأجرة التي خصصتها له والدته.

ومرت السنوات سريعًا.. وبكى لأول مرة في حياته يوم رحلت أمه.. فقد كانت بالنسبة له كل شيء.. الأب والأم والسند.

لم يضحك أو يبتسم بعدها إلا مرات قليلة.. يوم نجاح ابنه بالمدرسة ويوم زواج ابنته الكبرى  ويوم حصول أحد الأبناء على شهادته الجامعية.

ومع انشغاله بتفاصيل حياة أولاده زادت سرعة الأيام أكثر.. ومر العمر.. ورأى الشيب على شعره والرعشة على يديه والضعف في نظره وحركته.

تعايش مع كل ذلك وابتسم وهو يتمتم بكلمات تعلمها منذ صغره من شيخ قريته الكفيف ..( الدنيا تلاهي .. لموها الملاهي .. وراحوا وسابوها زي ماهي).

شاركته زوجته قناعاته في حياته البسيطة.. فلم يطمعا أبدًا في أى شيء .. واكتفى كل منهما بأقل القليل من ثياب وطعام ومسكن.

وعندما اقترب موعد الرحيل كانت كل علامات الرضا واضحة على ملامحه.. فطوال مشواره بالحياة لم يرتكب ذنبا أو يفعل إثما.. لأنه ببساطة ومن حسن حظه لم تختبره الدنيا ولم يطمع في مغرياتها.. بل كان أقرب للزاهد العابد القانع.. ولم يشغله طوال عمره سوى العمل بإخلاص في أرضه والعبادة الحق لخالصة.

 

وغاب وترك الدنيا في هدوء كما ولد وجاء إليها في هدوء.

وبعد رحيله لم يجدوا بين ثيابه سوى جنيهات قليلة ومصحفًا صغيرًا اعتاد حمله ليحفظه الله كما علمته والدته منذ سنوات بعيدة.

رحل من كان اشبه بالملائكة كما عرفه الجميع.

عبدالله ليس شخصا بعينه.. ولكنه موجود وبكثرة في أجيال الآباء والأجداد.. الذين لم تختبرهم الدنيا ولم تشغلهم أبدا ولم تكن يومها هدفهم .

ما أجمل رحلة حياة هذا الرجل.. وكم كان محظوظًاً حينما تجاهلته الدنيا بكل متعها الزائفة والزائلة.

والسؤال الذي تبادر إلى ذهني وأنا اتتبع مشوار حياة عبدالله البسيطة.. هل خلق الله الجنه لغير مثل هذا الرجل !!!

جمعة قابيل رجال الجنة خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة