خط أحمر
الثلاثاء، 23 أبريل 2024 12:38 مـ
خط أحمر

صوت ينور بالحقيقة

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

رئيس مجلس الإدارة محمد موسىنائب رئيس مجلس الإدرةأميرة عبيد

مقالات

محمد محفوظ يكتب: عندما تتحدث المومياء

خط أحمر

لم يخطئ الأديب الكبير نجيب محفوظ عندما قال أن مصر ليست دولة تاريخية، بل جاءت مصر أولًا ثم جاء التاريخ. ولتذكر إثيوبيا وأعوانها أنه عندما كان العالم والخلق أجمع يسكنون الجحور وينامون في العراء، كان المصريون يقطنون القصور والقلاع والمعابد التي بنيت من الذهب والفضة، وكما يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته "إن مجدي فى الأوليات عريق من له مثل أولياتي و مجدي، أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرقَ يرفع الرأس بعدي."

فلا تندهش عزيزي عندما توقفت سفينة دون قصد في قناة السويس التي تمتلكها وتديرها مصر، توقفت معها سفينة الحياة في العالم أجمع؛ فمصر هي الشريان الحقيقي وقلب العالم التي ستبقى أبد الدهر رغم أنف الحاقدين، ولمَ لا؟! وهي الأرض الوحيدة التي تجلى الله عليها وتكلم فيها، وهي الدولة التي قرن اسمها في القرآن بالأمن والأمان، و التي اقترن اسمها أيضًا بخزائن الأرض.

فمنذ أيام قليلة شاهد العالم أجمع حفل نقل المومياوات الملكية في رحلة تاريخية من مقر عرضها الحالي في المتحف المصري بالتحرير، إلى مكان عرضها الدائم في موقعها الحديث بالمتحف القومي الجديد للحضارة المصرية، الكائن في أول عاصمة إسلامية (الفسطاط)، هذا العرض الملكي الذي تم بسواعد وأيادي مصرية، امتزج فيه الفن بالموسيقى ليعيد تقديم تاريخ الأجداد في لوحة إبداعية مبهرة، وفي صورة معبرة عن كيان الحضارة المصرية عبر التاريخ؛ ليؤكد المصريون للعالم أجمع أن مصر هي الحضارة بعينها، وكما رأينا الفنان المصري خالد النبوي وهو يتكلم عن الأهرامات التي يدعي الصهاينة أنهم هم الذين بنوها، وهو يوجه رسالة للعالم أجمع من المعبد اليهودي بكلمات قد كتبت على جدرانه "لا تسرق ولا تشتهِ ما يملكه جارك".

فكانت برأيي رسالة قوية لكل مدعي ومعتدي، وذكرتني بعبارة فرعونية منقوشة على جدران مقياس النيل عندما زرت معبد حورس في مدينة إدفو، التي يقول فيها أجدادنا "إذا انخفض منسوب النهر، فليهرع كل جنود الملك ولا يعودوا إلا بعد تحرير النيل مما يقيد جريانه"، وأعتقد أن تلك الرسائل التاريخية التي آمن بها الأجداد عبر التاريخ ويقدسها الأحفاد في العصر الحديث، تبرهن للجميع أن مصر لا تركع لأحد مهما كلفها الأمر، ولا تنكسر أبدًا، حتى وإن ظن البعض أنها تنحني فهي فقط تربط بيادتها استعدادًا لكسر المعتدي.

وليتذكر الجميع أنه حتى عندما جلست المرأة المصرية على عرش مصر، وأقصد هنا الملكة "حتشبسوت" التي حكمت الدولة المصرية لعدة سنوات جعلت منها أعظم قوة عسكرية في العالم، ويشهد على ذلك معبدها الذي يعتبر قبلة الباحثين عن عظمة مصر وعظيماتها، وليعلم كل من يريد أن يحرم مصر من مياه نيلها أنه كمن يمنع عنها أكسجين الحياة، فبدونهما لا يستطيع المصري العيش، ولا يلوم إلا نفسه فستصبح فعلته مقبرته، وله فيما سبق عظة.

فالنيل خلق ليجري بمصر، ومصر هي النيل، كما أن ركائز حضارة المصريين القدماء كُنيت بحضارة وادى النيل لأنها بنيت على ضفاف النيل الذي يشق مصر منذ الآف السنين، وقد لخص المؤرخ الإغريقي الشهير "هيرودوت" أهمية النهر بالنسبة للمصريين في مقولته الشهيرة "مصر هبة النيل".

فإذا وسوس الشيطان لإثيوبيا وحلفائها بأنهم قادرين على التحكُّم في مصير مصر وحرمانها من حصتها التاريخية من مياه النيل، فإنهم واهمون؛ لأنهم لم يقرءوا التاريخ جيدًا، وليدققوا في العبارة المختصرة الموجودة على قناع الملك الشاب توت عنخ آمون منذ آلاف السنين، ذلك القناع المصنوع من الذهب ويغطي رأس مومياء الملك الشاب، والتي تقول: "القوة تفتح أجنحتها لمن يستحقها، أما الموت يفتح أجنحته لكل جبان" ليعلموا أن مصر قوية ويشهد على قوتها التاريخ نفسه، كما أنه معروف عن المصريين منذ القدم بأنهم أشجع الجند.

كما أدعو هؤلاء -وكلي فخر- لأن يسألوا الهكسوس ويستفسروا من التتار عما لاقوه من المصريين القدماء، ولا ينسوا أن يسألوا العدو الصهيوني عما فعله بهم المصريون في عام 1973 في نهار رمضان وفي 6 ساعات، فلا بد وأن تدرك إثيوبيا أنها مهما كان لهم من داعمين ظاهرين أو متخفيين، إلا إنها ومن يدعمها لم ولن تقدر على حرمان مصر من شريان حياة شعبها الأصيل الذي مد ولا زال يمد يده لهم بالعون والمساندة والدعم في تحقيق التنمية والنهضة كما يدعون، لكن دون المساس بحق مصر التاريخي في نقطة مياه واحدة من مياه النيل. وختامًا أذكر هؤلاء فقط بقراءة التاريخ؛ فربما لم أتحدث كثيرًا عن مصر وشعبها، ولم أستطع من خلال هذه السطور أن أخبرهم من نحن، ولكن عليهم فقط أن يدققوا فيما كتب على جدران المعابد؛ فعندما يتكلم التاريخ وينطق الحجر وتتحدث المومياء عن "مصر" أم البلاد ومهد الأوطان، وقتها فليخرس الجميع وليتوارى كل حاقد ويتدارى كل خائن.

محمد محفوظ عندما تتحدث المومياء خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك القاهرة
بنك مصر