الدكتور محمد سيد أحمد يكتب: سلاح حزب الله والتوازن مع العدو الصهيوني !!


أثار قرار الحكومة اللبنانية بالموافقة على المقترح الأمريكي بنزع سلاح حزب الله، العديد من ردود الفعل سواء بالداخل اللبناني أو الخارج العربي، فبعد انتهاء جلسة الحكومة يوم الخميس الماضي والتي انسحب منها خمسة وزراء يمثلون حزب الله وحركة أمل، خرج وزير الإعلام اللبناني بول مرقص ليصرح بأن مجلس الوزراء قد وافق على بنود الاتفاقية التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية لنزع سلاح حزب الله، وأكد للصحفيين أن الاتفاقية تنص على التصفية التدريجية للوجود المسلح بما في ذلك حزب الله، ودعم الجيش اللبناني ونشره في جنوب البلاد، وأكد أن رئيس الجمهورية جوزيف عون كشف عن تلقيه اتصالات دولية حول انطلاق جهود لإنقاذ الاقتصاد اللبناني.
وبالطبع خرجت جماهير المقاومة في الداخل والخارج لتندد بالقرار، وتعتبره انصياع للأوامر الأمريكية، وتحقيقاً للرغبة الصهيونية، وفي واقع الأمر وعلى الرغم من المبررات التي تقدمها الحكومة ورئيس الجمهورية كوعود للجماهير اللبنانية التي اعيتها الأزمة الاقتصادية، وأن الغرب سوف يساعد في حل هذه الأزمة لكنه يضع في مقابل ذلك نزع سلاح حزب الله، إلا أن الحكومة والرئيس بهذا القرار يضربون الوحدة الوطنية التي أخرجت لبنان من دوامة الحرب الأهلية بعد عقد اتفاق الطائف، الذي شرعن سلاح حزب الله كأداة لمقاومة الاحتلال الصهيوني.
وحزب الله منذ تأسيسه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهو يشكّل ركيزة أساسية في معادلة الصراع العربي–الصهيوني، وأصبح سلاحه عنصر ردع استراتيجي حال دون استفراد العدو الصهيوني بلبنان، هذا السلاح الذي وُلد من رحم المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، أثبت قدرته على فرض معادلة توازن الردع، وجعل العدو يحسب ألف حساب قبل أي عدوان جديد، بل أجبر العدو الصهيوني على الانسحاب دون توقيع اتفاقيات من الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠.
ومن المعروف أن اتفاقية الطائف التي وقعت في عام ١٩٨٩ لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، هي التي أقرت شرعية سلاح المقاومة، حيث نص الاتفاق على نزع السلاح من جميع الميليشيات والفصائل الداخلية، لكنه استثنى سلاح المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، وقد كان هذا الاستثناء اعترافًا صريحًا من الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي على السواء بأن سلاح حزب الله ليس أداة اقتتال داخلي، بل وسيلة لتحرير الأرض وحماية السيادة، وفي ذلك الوقت، كان الجنوب اللبناني لا يزال تحت الاحتلال الصهيوني، وكانت المقاومة هي الأداة الوحيدة القادرة على مواجهة الجيش الصهيوني، في ظل ضعف الجيش اللبناني وتقييد إمكانياته بفعل الظروف السياسية والاقتصادية.
ولا شك أن سلاح حزب الله على مدار العقود الثلاثة الأخيرة شكل عامل توازن استراتيجي في مواجهة العدو الصهيوني، فعلى الرغم من تفوّق العدو الصهيوني عسكريًا من حيث العتاد والتكنولوجيا والدعم الدولي، لكن تجربة الحروب السابقة، خاصة حرب تموز 2006، أثبتت أن سلاح حزب الله نجح في كسر نظرية "الجيش الذي لا يُقهر"، فقد ألحقت المقاومة خسائر فادحة في صفوف العدو، وأجبرته على الانسحاب من مناطق كان يحتلها، مما رسخ معادلة الردع المتبادل، ويمكننا التأكيد أن هذا التوازن ليس نظريًا فقط، بل عمليًا أيضا، فالعدو الصهيوني يعرف أن أي اعتداء واسع على لبنان سيواجه بصواريخ المقاومة التي تصل إلى عمق أراضيه، والداخل اللبناني يدرك أن الجيش اللبناني وحده، رغم وطنيته وكفاءته، لا يمتلك حتى الآن القدرة الكاملة على مواجهة التفوق الصهيوني من دون سلاح المقاومة.
وقد أثبتت التجربة العملية وعلى الرغم من الحملات السياسية والإعلامية التي تستهدف حزب الله أنه على قدر المسؤولية الوطنية، فسجلّه العسكري يؤكد أن سلاحه ظل موجّهًا نحو العدو الصهيوني، ولم يكن أداةً لفرض السيطرة الداخلية أو الانخراط في الحرب الأهلية الجديدة، وهذا الالتزام ساعد على الحفاظ على شرعية السلاح أمام الرأي العام اللبناني والعربي، باعتباره أداة دفاع وطني لا وسيلة هيمنة داخلية.
لذلك فإن محاولة نزع سلاح حزب الله في ظل استمرار الأطماع الصهيونية في الأراضي اللبنانية ومياهها الإقليمية، وخاصة حقول الغاز في البحر المتوسط، سيكون بمثابة كشف ظهر لبنان أمام عدو يمتلك تاريخًا طويلًا من الانتهاكات، وفي حال غياب هذا السلاح، لن يكون للبنان أي ورقة ضغط حقيقية في أي مفاوضات أو مواجهة مستقبلية.
سلاح حزب الله إذن ليس مجرد ترسانة عسكرية، بل هو منظومة ردع متكاملة أثبتت فعاليتها في حماية لبنان من الاعتداءات الصهيونية، واتفاقية الطائف شرّعت وجود هذا السلاح كجزء من معادلة الأمن الوطني، وأي مساس به يعني اختلال التوازن لصالح العدو الصهيوني، فالحفاظ على هذا السلاح اليوم ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لبقاء لبنان سيدًا حرًا آمنًا، اللهم بلغت اللهم فاشهد.