مقالات

الدكتور أحمد عبود يكتب: الجذور الدينية لفكرة ”شعب الله المختار”

خط أحمر

يشرفني أن أقدم سلسلة من المقالات بعنوان "إسرائيل من البداية"، نهدف من خلالها إلى إعادة قراءة التاريخ من زاوية أكثر عمقًا، نكشف فيها كيف نشأت الفكرة الصهيونية، وكيف تحوّلت من معتقد ديني إلى مشروع سياسي استيطاني دموي.

وغنيٌّ عن القول إن أي محاولة لفهم إسرائيل اليوم دون الرجوع إلى جذورها الدينية والفكرية هي محاولة ناقصة. فالصهيونية لم تكن مجرد حركة سياسية، بل نتاج عميق لموروث ديني قديم، تشكّلت حوله فكرة "شعب الله المختار"، وهي أخطر فكرة تم توظيفها عبر التاريخ لتبرير التمييز والقتل والاستيطان.

التوراة والتلمود... حين يُصبح الدين أداة للغزو

في أسفار التوراة، التي يؤمن بها اليهود، نجد إشارات واضحة إلى أن بني إسرائيل هم "شعب الله المختار"، وأن لهم "أرض الميعاد" التي وهبها لهم الرب دون سواهم.
لكنّ الفكرة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تطوّرت لاحقًا داخل التلمود – الكتاب الذي يُعد المرجعية الدينية الأساسية عند اليهود الأرثوذكس – إلى نظرة استعلائية على كل من هو غير يهودي.

في التلمود، يُشار إلى غير اليهود بأنهم:

"حيوانات خلقت في هيئة بشر لخدمة اليهود"

و"دماؤهم مهدورة"

و"أموالهم مباحة"


هذه المفاهيم صنعت عقلية لا ترى الآخر شريكًا في الحياة، بل غريبًا، طارئًا، يجوز التخلص منه. ومن هذا الموروث انطلقت لاحقًا كثير من المذابح الصهيونية بحق العرب، تحت مبرر ديني محض.

من العقيدة إلى السلاح: الدين كذريعة لسرقة الأرض

مع نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدًا في ظل تصاعد موجات الكراهية ضد اليهود في أوروبا، بدأ يتم توظيف هذه العقيدة قديمًا بشكلٍ ممنهج وحديث. لم يكن المشروع الصهيوني نتاج مظلومية فقط، بل كان مبنيًا على قناعة عميقة بأن هذه الأرض "حق مقدس"، وأن طرد أهلها "تنفيذ لإرادة الرب".

وبذلك تحوّل الدين من وسيلة عبادة، إلى أداة سياسية خطيرة، بل إلى خريطة توسعية ترسم حدود "إسرائيل الكبرى"، من النيل إلى الفرات، وتجعل كل من يقف أمامها "عدوًا لله".

التفوق العرقي... جذور الكراهية الحديثة

واحدة من أخطر ما خلفته عقيدة "الاختيار الإلهي" هي ما يمكن تسميته بـ"عقيدة التفوق اليهودي"، التي جعلت إسرائيل – ولا تزال – تتصرف على أنها دولة فوق القانون، وفوق المحاسبة، وأنها تملك تفويضًا دينيًا لإبادة من تشاء، ما دامت ترى نفسها مظلومة.

ولهذا، لا عجب أن نجد اليوم في المناهج الإسرائيلية، وفي خطابات حاخامات الجيش، ما يبرر قتل الفلسطينيين، وتهجيرهم، وهدم بيوتهم، بل وحرقهم وهم أحياء.

إن فهم هذه العقيدة أمر ضروري لكل من يريد أن يفهم كيف يفكر العدو، وكيف يرى نفسه، ولماذا لا يخجل من جرائمه، بل يفاخر بها.

لكن هذه العقيدة وحدها لم تكن كافية لبناء دولة.
كان لا بد من عقل سياسي يُنظّر ويجمع الشتات ويوظّف اللحظة الدولية لصالحه.
وهنا يظهر اسم تيودور هرتزل، العقل الذي نقل الحلم من صفحات التوراة والتلمود إلى أروقة السياسة العالمية، وبدأت معه أولى خطوات التأسيس لما يسمى "دولة إسرائيل".

وإلى اللقاء في المقال الثاني: ولادة الصهيونية الحديثة على يد هرتزل.

الدكتور أحمد عبود الجذور الدينية لفكرة شعب الله المختار خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة