مقالات

الدكتور أحمد عبود يكتب: إيران وإسرائيل: إلى أين تتجه المعركة؟

خط أحمر

في قلب الشرق الأوسط المشتعل، تقف إيران وإسرائيل على حافة صراع دائم، تتغير أشكاله لكنه لا يتوقف. علاقة معقدة مبنية على الشك والخوف والتربص، وبين الحين والآخر تشتعل شرارة تكاد تقلب المعادلة، لكنها لا تبلغ الحرب الشاملة التي يتوقعها أو يخشاها الجميع. اليوم، ونحن في منتصف عام 2025، يبدو المشهد أكثر احتقانًا من أي وقت مضى، ولكن أكثر سيطرة في آنٍ واحد، وكأن الطرفين اتفقا ضمنيًا على خوض صراع طويل الأمد دون الانزلاق إلى الهاوية.

إسرائيل، رغم قوتها العسكرية والاستخباراتية، تعيش حالة داخلية مضطربة، فالأزمة السياسية تتفاقم، والانقسام المجتمعي يزداد حدة، والضغوط الدولية بسبب تجاوزاتها في غزة ولبنان بدأت تنال من صورتها في الغرب. في المقابل، إيران لا تقل اضطرابًا، فاقتصادها يئن تحت وطأة العقوبات، والاحتجاجات الشعبية تندلع من وقت لآخر، لكنها رغم كل شيء وسّعت نفوذها في المنطقة عبر أذرعها المسلحة، وأصبحت تملك قدرة ردع غير تقليدية، تتجاوز حدودها الجغرافية. بين هذا وذاك، تتأرجح المنطقة فوق حافة سكين، والمشهد برمته يشبه رقعة شطرنج ضخمة، كل حركة فيها محسوبة لكنها محفوفة بالمخاطر.

ما يجري الآن ليس هدنة ولا حرب، بل حالة "تصعيد محسوب"، حيث تنفذ إسرائيل ضربات جوية في سوريا والعراق، وترد إيران عبر ميليشياتها أو بالهجمات السيبرانية، ويتم اغتيال عالم نووي هنا، أو استهداف قاعدة هناك، دون أن يجرؤ أحد الطرفين على إعلان حرب مفتوحة. السيناريو الأكثر واقعية في المدى القريب هو استمرار هذا النهج: ضربات متبادلة تحت سقف الانفجار الكامل. لكن في ظل تقدم إيران نحو امتلاك سلاح نووي فعلي – وإن كان دون إعلان رسمي – فإن إسرائيل قد تجد نفسها مجبرة على تنفيذ ضربة استباقية واسعة، وهنا تصبح الحسابات أكثر خطورة.

لو نفذت إسرائيل هجومًا مباشرًا على منشآت إيران النووية، فطهران سترد، ربما ليس من أراضيها، بل من لبنان عبر حزب الله، أو من اليمن عبر الحوثيين، أو من العراق وسوريا. ستحاول أن تحاصر إسرائيل من كل الجهات وتفتح عليها أبواب الجحيم دفعة واحدة. في هذا السيناريو، الخليج العربي لن يكون بعيدًا عن مرمى النيران، وقد تتأثر إمدادات النفط بشدة، ويقفز العالم إلى أزمة اقتصادية جديدة. وهنا تتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم ترددها في التورط بحرب جديدة.

ومع كل هذه السيناريوهات، لا يمكن تجاهل مفاجآت الداخل. إيران تواجه خطر اضطرابات شعبية تهدد بتمزق داخلي، قد يطيح بنظامها أو يضعفه، وفي المقابل فإن إسرائيل ليست بعيدة عن نفس المصير، فاستمرار الاحتجاجات والانقسامات قد يؤدي إلى انزلاق داخلي يهز صورتها كدولة قوية. وإذا سقط أحد النظامين أو تعرض لهزة كبيرة، فإن موازين القوى كلها قد تنقلب.

يبقى الرهان الأكبر اليوم على العقلاء، لكن العقل لا يسود دائمًا في أزمنة التوتر العقائدي والمصالح المتشابكة. ولعل المنطقة كلها اليوم تعيش على صفيح ساخن، ينتظر عود ثقاب يشعله خطأ في التقدير، أو ضربة متهورة، أو عملية اغتيال غير محسوبة. السؤال لم يعد "هل ستقع الحرب؟"، بل "متى؟ وكيف؟". وحتى يأتي الجواب، تظل المنطقة معلقة بين التصعيد والانتظار، تارة تمسك أنفاسها وتارة تدفن رأسها في رمال الأمن المؤقت.

إيران وإسرائيل خط احمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة