الحياة الدنيا فتنة متغيرة ، من المستحيل أن تثبت علي حال واحد ،، تتغير وتتبدل ،، يوم لك وأيام عليك و العكس قد يحدث ،، قد تكون الأيام لك أكثر مما هي عليك،، يختلف الأمر باختلاف قدرك ،، فمنا من كُتِبَت له السعادة علي الأرض ،، ومنا من كُتِبَ عليه الشقاء ،، وآخرون كُتِبَ لهم الاستقرار ،، وبيننا الأيام تتبدل وتتشكل ،، قد ترفعك إلي عنان السماء ،، وقد تجد نفسك في باطن الأرض،، مدفون دون أن تدري ،، و قد تدُرك مع الوقت أنك تحيا ولكن حياة الأموات علي الأرض.

قد تأتي الأيام وتحمل لك الرزق الواسع و تبهرك ،، وقد تتبدل فتأخذ منك ما لديك ،، وتُحزنك و تتألم،، و قد يأتي الستر ويحميك طيلة حياتك ،، وقد يُنزَع عنك وتجد نفسك بائسا فقيرا لا حول لك ولا قوة،، و قد تنعم بالصحة ثم تتبدل الأيام وتُفاجأ بالمرض الذي يقضي علي ما لديك من أمل و فرح،، و تتبدل الأيام و تتحول إلي مريض مسكين ،، وقتك تقضيه بين جدران المستشفيات ،، أو تصبح سجين داخل بيتك تتحرك بحذر ،، وتُحْرَم من الأكلات المفضلة لديك،، وربما تُحْرَم من الحركة والحرية والانطلاق .

وقد تحب وتشعر بالسعادة ثم تتبدل الأيام وتأخذ منك من أحببت ،، وتتحول حياتك من الفرح والسعادة إلي التعاسة واليأس والحزن ،، وقد تقترب من شخص ،، وتظن أنه السند ،، ويشغل حيز كبير في حياتك،،، و يوهمك بأنك مهم ،، ثم تتبدل الأيام و ينشغل بنفسه وحياته وطموحاته،، و تشعر بأنه لم يصبح لك مكان في حياته و تمتليء بإحساس الغربة ،، وتظن أن ما كان بينكما مجرد ملء لوقت ،، وعندما تبدلت الأيام لم يعد يحتاجك ،، فترغب في الهروب ،، أو الانسحاب .

وقد تعمل في عمل يأخذ عمرك ،، تشقي وتتعب ،، وتتبدل الأيام وتُطرد من هذا العمل ،، وتجد نفسك بائسا ،، وتكتئب وتنعزل ،، أو تعمل في عمل و تشقي و تظل مهمشاً و لا تجد لك منفذا تُغير به من حالك ،، وتتبدل الأيام إما بالنصر وإما بقرار الانسحاب من هذا العمل وتطوي تلك الصفحة التي آلمتك و تبحث عن شيء آخر.. تلك هي سنة الحياة ،، التبدل المستمر للأحوال ،، دوام الحال من المحال ،، قد يدوم الحب في القلوب ولكن لا تدوم السعادة،، قد يدوم الأمل عند البعض ،، وقد تمتليء النفوس بالحزن والكرب والاكتئاب..

إنها الأيام ،، مجرد أيام يداولها المولي عز وجل فيما بيننا ،، فتداول الأيام يظهر معادن الناس ويميز الخبيث من الطيب ،، يقول الله جل في علاه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ). وأهم ما تثبته الأيام عندما تتبدل هو صدق القلوب ،، فالقلب الصادق لا يتبدل بتبدل الأحوال ويظل متمسكا بمبادئه وعهوده ،، والبعض يتبدل ويتأقلم مع الأيام .

الحياة مهما حاولت أن تظهر لنا من السعادة أو التعاسة فهي حياة مزيفة ،، ستنتهي برحيلنا إلي دار الحق ،، وكل ما نراه من الفتن مهما كانت يجب أن ننتبه له ،، فلا تفرح مهما أظهرت لك السعادة ولا تبتئس مهما اشتدت عليك الأيام ولنتذكر فقط قوله تعالي ( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ).