مقالات

الدكتور .. السيد الخطاري يكتب ..المستقبل هنا .. وليس هناك

خط أحمر

كعادتنا سوياً وللإطمئنان على الأهل والأحوال كنت أهاتف صديقي العزيز الأستاذ محمد موسى رئيس مجلس إدارة وتحرير موقع خط أحمر هذا المنبر الإخباري الذي يجمعنى بكم من خلال مساحة الرأي التي يفردها لقلمي المتواضع عبر هذا المقال الأسبوعي ، فأخذنا الحديث نحو تجربته الإخبارية المتمثلة في (موقع خط أحمر الإخباري) ، وإذ بنا نتفق سوياً على أن المستقبل بل كل المستقبل هنا في التجربة الإلكترونية وليس هناك في مثيلاتها من الإصدارات الصحفية الورقية ، وصبيحة ليلة هذه المكالمة خرجت علينا بعض الأخبار التي تؤكد أن الهيئة الوطنية للصحافة تقرر زيادة أسعار الصحف اليومية والإصدارات الأسبوعية ، لتعويض جزء من الخسائر الكبيرة التي تتكبدها المؤسسات الصحفية ، واشترطت الهيئة أن ترتبط الزيادة بتطوير شامل في المحتوى التحريري للصحف وتقديم خدمات جديدة للقراء ، وتطوير الإصدارات الورقية شكلاً ومضموناً ، حتى تحافظ على معدلات التوزيع ، وتكون قادرة على المنافسة ، ليثبت لنا ذلك صدق ما كنا نتحدث حوله .

وهنا تستحضرني كلمات أحد الفلاسفة وهو يطالع ملامحه الشاحبة ، وقواه المنسرقة ، وبدنه المعتل ( أنا لست ميتًا .. ولكني أبدو هكذا ) !! فهل باتت الصحافة الورقية في مسيرها ومصيرها تحكي لنا صورة نسخة غير منقحة من قسمات الأحياء الموتى في نزعهم الأخير، كما يمثلها ذلك الرجل ؟ اسمع من بعيد صوت من يختلف مع وجهة نظرنا ، وأعلم علم اليقين أن أية وسيلة إعلامية حديثة لا تؤدي إلى انقراض الوسائل الأقدم منها ، كما أن الصحافة الإلكترونية لا يمكنها أن تلغي الصحافة الورقية ، واعلم أن عم حسين وعم أحمد وطنط سامية وغيرهم كُثر لا يزالون يطالعون صفحاتها كل صباح ، وما زالت هي بصفحاتها الأولى والداخلية تجذب بعض المعلنين خاصة الإعلانات الحكومية والمؤسسات الدولية والبنوك والمناقصات وغيرها ، ولكن لابد أن يدرك الجميع أن التحديات التي تواجهها صناعة الصحافة في مصر والوطن العربي بل والعالم بأسره كبيرة ، وقد تراجعت مبيعاتها وعدد قرائها ومن ثم حجم اعلاناتها ، مقابل ارتفاع عائدات الإعلانات الرقميّة ، فكعكة الإعلانات المطبوعة حول العالم انخفضت مقابل مكاسب رهيبة لمحركات البحث التي تسيطر على المعلومات .

وأتصور أن الصحافة الورقية شهدت خلال السنوات الأخيرة أزمة حقيقية ، أزمة أخذت تتفاقم من سنة إلى أخرى في مصر والوطن العربي والعديد من الدول الغربية المتقدمة نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات وظهور شبكة الإنترنت ، وتتمثل بنظري في عزوف الكثير من القراء عن اقتناء أو مطالعة الصحف الورقية ونشوء جيل جديد لم يعد يتعامل مع الورق ، وفي تغيّر أنماط الاهتمام والقراءة لدى مجتمع المعرفة ، وشيوع ثقافة الحصول المجاني على المعلومة ، كل هذا أدى برأيي إلى التراجع المتواصل لمبيعات الصحف الورقية وانخفاض عائداتها من الإعلانات ، والتي تتحرك بسرعة صوب شبكة الإنترنت.

فالمستقبل من وجهة نظري المتواضعة هنا وليس هناك ، لأن الصحف الورقية لم تعد تقدر على مجاراة الصحف الإلكترونية كوسيط نقل جديد للمعلومة والإعلان والتنافس مع مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت - التي تجتذب مئات الملايين من المتصفحين في سرعة نشر الخبر للقارئ وقت حدوثه وتحديثه لحظة بلحظة ، في زمن يتقادم فيه الخبر بسرعة بالغة ، وإتاحة المجال للقراء للمشاركة في تحريرها والتعبير عن آرائهم ومناقشتها مع قراء آخرين بكل حرية على نحو لم يسبق له مثيل ، ولا يقتصر الاختلاف عزيزي بين الصحافتين على سرعة النشر والوسيلة المستخدمة لنقل المحتوى كما يظن البعض ، فالصحافة الرقمية تقدم خدمات إعلامية كثيرة تعجز عنها الورقية منها الندوات وبرامج المحادثة (الشات) وشريط الأخبار المتحرك ، إضافة إلى عدم وجود محددات لحجم المواد المنشورة وزمن العرض بخلاف الصحافة الورقية ، وثمة إمكانيات فنية أخرى للصحف الإلكترونية منها خدمة الانتقال إلى الإذاعات والقنوات الفضائية ، وخدمات التعليقات ، والردود الآنية ، والربط بالمواقع الأخرى والإحصائيات الخاصة بالموقع الإلكتروني ، والتي تتيح للصحيفة الإلكترونية معرفة مواطن القوة والضعف في عملها من أجل التطوير اللاحق .

وختاما أطرح سؤالاً عليك قارئي العزيز لعلى أجد إجابته لديك ... هل سيصبح مصير الصحف الورقية في مصر والوطن العربي مثل مصير الحمير والبغال والخيول في زمن ظهور السيارة ؟ أم أنها ستنهض وتستفيق وتستدعى مقومات نجاح جديدة تحفظ لنفسها ما تبقى لها من مستقبل وستظل بناء صلب سيظل له عشاقه ومحبيه .

 

السيد الخطاري المستقبل هنا ليس هناك خط أحمر الإخباري
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة