خالد السيد يكتب .. عمليات الاندماج والاستحواذ للشركات


إن التغييرات السريعة والمتلاحقة في النظام_الاقتصادي العالمي والمتمثلة في العولمة والحوكمة والحرية الاقتصادية وتبني اغلب الدول الرأسمالية سياسة الاقتصاد الحر ترتب على هذه التغييرات إزالة العوائق وفتح الأسواق أمام تدفق التجارة العالمية وإقامة التكتلات الاقتصادية وازدياد المشكلات الاقتصادية والمالية التي تواجه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء وكذلك ماترتب على الأزمة المالية العالمية عام 2008م، والتي مازالت تحتاج وقتاً ليتعافى اقتصاد العديد من الدول والشركات الكبرى من آثارها والتي مازالت موجودة حسب تصريح صندوق النقد الدولي، كل هذا أدى الى زيادة حدة المنافسة بين الشركات وزيادة التحديات التي تواجهها ، فكان من الطبيعي زيادة عمليات اندماج الشركات أو الاستحواذ عليها لمواجهة هذه التغيرات والآثار وغالباً ما تلجأ الشركات العملاقة ذات رؤس الأموال الضخمة الى عملية الاستحواذ على الشركات الاخرى لان مراكزها المالية قوية وصناعتها متطورة وقادرة على الصمود والمنافسة وهي تقوم بعمليات الاستحواذ لتحقق أهدافها في الدخول إلى أسواق جديدة أو التحكم في منتجع معين أو السيطرة على الأسواق.
وبهذا يعد الاستحواذ سيطرة مالية وإدارية لاحد الشركات على نشاط شركة أخرى عن طريق شراء كل أو نسبة من الأسهم العادية والغير عادية والتي لها حق التصويت في الجمعية العامة للشركة المستحوذ عليها مما يمكنها من التحكم في قرارات مجلس الإدارة للشركة أو المشاركة الفعالة في إصدارها وتسمى في هذة الحالة اسهما استراتيجية.
والسؤال الآن هل قواعد الاستحواذ في قانون سوق المال تحمي الشركات المصرية؟
سوق المال المصرية باتت عرضة لعمليات الاستحواذ العدائي نظرا لأنها سوق مقيم بأقل بكثير من القيمة الحقيقية لها ويحتاج لحمايتها تعديل تشريعي سريع لتحديد نسبة تملك الأجانب أو جنسيات معينة بكل شركة وفقا لحساسيتها واهميتها وعلى الرغم من وجود لوائح لهيئة سوق المال تنظم عمليات الاندماج والاستحواذ إلا أن العدالة مفقودة لعدم وجود قدر مناسب من الشفافية والإفصاح وخاصة في مسألة تقييم أصول الشركات المستهدفة بعمليات الاندماج أو الاستحواذ.
وقد عانى الاقتصاد المصري كنتيجة طبيعية بعد بيع غالبية شركات الاسمنت لمستثمرين اجانب دون تدخل من الدولة رغم أهميته باعتباره احد أعمدة صناعة البناء في مصر واحد الصناعات الاستراتيجية.
وقد طالب البعض بضرورة إعادة النظر في القواعد المنظمة لعمليات الاستحواذ خاصة أن القواعد المقررة في القانون والتي تمنح للمستثمرين فرصة تملك أسهم في الشركات حتى نسبة 30% ثم يتقدم بعرض شراء إجباري لكامل أسهم الشركة من مبدأ حماية حقوق الأقلية ومبدأ المساواة بين الشركاء فعلى الرغم من هذه الضوابط المشددة في القانون في مثل هذه الحالات إلا أن عمليات الاستحواذ تتم عادة في إطار قانوني خصوصا في ظل تفتت هياكل ملكية العديد من الشركات والمخاوف لدى المستثمرين الأفراد بشأن طول فترة عدم استقرار الأوضاع، ورغم وجود إيجابيات للاندماج والاستحواذ لا ينفي وجود مخاطر كبيرة من أهمها احتكار قطاعات اقتصادية وصحية وتعليمية لها تأثير مباشر على دخول الأفراد وصحتهم وثقافتهم.
الجدير بالذكر أن الاستحواذ والاندماج ظاهرة طبيعية خاصة في الأسواق الكبيرة والقوية اذ تعود الفائدة على الاقتصاد الوطني في المقام الاول خاصة في المشروعات التنموية أو الزراعية والصناعية و التي تعتبر جزء من الأمن الغذائي.
ومن المؤكد أن عام 2008م شهد تراجع في حصيلة الاستحواذ والاندماجات في جميع أسواق العالم وليس السوق المصرية فقط بسبب الأزمة المالية إلا أنها كانت بمثابة فرصة ذهبية للعديد من الشركات للدخول في استحواذات واندماجات لاسيما في ظل تراجع الأسعار على نحو لن يتكرر مرة أخرى وأن الخطط التوسعية للعديد من الشركات تأثرت بشدة وهو ماجعل الشركات ترجي خططها ومشروعاتها المستقبلية إلى أن تتحسن الظروف وتعود الأسواق إلى استقراراها من جديد واجبرت رؤساء الشركات على تغيير استراتيجيتهم المستقبلية وانشغالهم بكيفية الهروب من تبعات الأزمة المالية العالمية هربا من شبح الإفلاس.
مما حدا بالشركات العالمية البحث عن بدائل من أجل خلق كيانات جديدة لها القدرة على تحقيق أرباح كبيرة من أجل تعويض خسائر الأزمة المالية بحيث تكون نقطة انطلاقة لها في أسواق أخرى وفي مقدمتها أفريقيا التي اصبحت الملاذ الأمن لهذه الشركات نظرا لما يتمتع به هذه المناطق من ثروات معدنية وسوق استهلاكي كبير، وما ساعد على توجه مؤسسات أجنبية لدخول السوق المصرية من خلال عمليات الاستحواذ الفرص المتاحة للاستثمار والشواهد تؤكد على الاهتمام الدولي بالاستثمار في مصر.
ومن المتوقع أن تستفيد قطاعات الصحة والتعليم والسلع الاستهلاكية والنفط والغاز من خطط الاتفاق الحكومي والتعديلات التشريعية وتغيير قطاعات النقل والطرق ذات التعريفة المرورية والموانئ والطاقة هي قطاعات جذابة للمستثمرين تجلب مليارات الدولارات مما يجعلها هدفا قويا لعمليات الاستحواذ خلال الفترة المقبلة مما يستدعي ضرورة تشديد الرقابة على التعاملات خلال هذة الفترة واصدار تشريعات عاجلة ووضع قواعد واليات فعالة لمواجهة هذه التطورات لتأمين الامن الاقتصادي الوطني وتحقيق هدف وسياسات هذه المرحلة الفارقة في تاريخ مصرنا العظيمة.