الدكتور محمد اليماني يكتب.. الطـاقـة البديلـة ضـرورة ام خـيار ؟


تُعتبر الطّاقة مكوناً أساسياً من مكوّنات الكون، وتعّد من أحد أشكال الوجود. وتُشتقّ الطّاقة عادةً من مصادر طبيعيّة وأخرى غير طبيعيّة، لذلك تقسم إلى نوعين رئيسيين، وهما: الطاقة المتجدّدة، وهي التي تعتمد على المصادر الطبيعيّة، وأخرى غير متجدّدة، وتعتمد على مصادر غير طبيعيّة، لكنّها تشكّلت مع الزّمن وتحت تأثير مجموعة من العوامل. وجميع أنواع هذه الطّاقة تستلزم وجود آليات، وأدوات، وتقنيّات خاصّة لاستخلاصها، وتسخيرها لصالح الإنسان، في موضوع بحثنا هذا سنسلط الضّوء على الطّاقة المتجدّدة وكلّ ما يتعلق بها.
الطاقة البديلة او الطاقة المتجددة ضمن الطاقة المستدامة ، وتعني خدمات طاقة حديثة، وتحسين كفاءة الطاقة، وزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة.، حيث لقد اتجه العالم إلى إنتاج الطاقة من مصادر بديلة و مستديمة لسببين رئيسيين : أولهما تلويثها لجو الأرض بثاني أكسيد الكربون و بروز ظاهرة الاحتباس الحراري و التغييرات المناخية، و الثاني هو محدودية موارد الطاقة الأحفورية و احتمال نضوبها من باطن الأرض .
ففي الجانب الأول الذي يتعلق بتلويث البيئة نجد أن مساهمة العرب في انبعاثات غازات الدفيئة لا تتجاوز 5%، إلا أن التغيير المناخي العالمي سيكون له تأثيره على المنطقة العربية و سيكون له مترتبات و انعكاسات على المكاسب الاقتصادية و التنموية في المنطقة و في مقدمتها الأمن الغذائي الذي يعتمد على الزراعة و المياه.
أما في الجانب الآخر المتعلق بمحدودية موارد الطاقة الأحفورية، فمن المعروف أن العديد من البلدان العربية تعد من أغنى بلدان العالم في مصادر الوقود الأحفوري و في مقدمتهما النفط و الغاز حيث تملك نسبة 58 % من احتياطات النفط في العالم، و قد بلغ مجموع احتياطاتها من النفط في العام 2009 ، 683.6 بليون برميل، كما أنها تمتلك نسبة 26% من احتياطي الغاز، و لكن بالمقابل، هناك ازدياد كبير في الطلب على موارد الطاقة في المنطقة العربية خاصة في انتاج الكهرباء حيث من المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة بنسبة تفوق ال 7 % خلال السنوات القليله القادمة.
الطاقة المتجددة Renewable Energy هي الطاقة المستمدة من الموارد الطبيعية التي تتجدد أو التي لا يمكن أن تنفذ (طاقة مستدامة). وتختلف مصادر الطاقة المتجددة، جوهريا عن الوقود الأحفوري من بترول وفحم والغاز الطبيعي، أو الوقود النووي الذي يستخدم في المفاعلات النووية. ولا تنشأ عن الطاقة المتجددة في العادة مخلفات كثاني أكسيد الكربون أو غازات ضارة أو تعمل على زيادة الإنحباس الحراري كما يحدث عند احتراقالوقود الأحفوري أو المخلفات الذرية الضارة الناتجة من مفاعلات القوي النووية ، وتنتج الطاقة المتجددة من الرياح والمياه والشمس, كما يمكن إنتاجها من حركة الأمواج والمد والجزر أو من حرارة الأرض الباطنية وكذلك من المحاصيل الزراعية والأشجار المنتجة للزيوت. إلا أن تلك الأخيرة لها مخلفات تعمل على زيادة الانحباس الحراري. حاليا ًأكثر إنتاج للطاقة المتجددة يـُنتج في محطات القوي الكهرمائية بواسطة السدود العظيمة أينما وجدت الأماكن المناسبة لبنائها على الأنهار ومساقط المياه، وتستخدم الطرق التي تعتمد على الرياح والطاقة الشمسية طرق على نطاق واسع في البلدان المتقدمة وبعض البلدان النامية؛ لكن وسائل انتاج الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة أصبح مألوفاً في الآونة الاخيرة .
عالميا : نعلم ان ادخنة الطبخ والطهي الملوث وادحنة التسخين والإضاءة تقتل حوالي 2 مليون نسمة سنويا معظمهم من النساء والأطفال ، وان اكثر من 1.4 مليار نسمة لا تصلهم الكهرباء ، وحوالي مليار نسمة يعتمدون على شبكات كهرباء ضعيفة معدومة الثقة ولا تعتبر ضمن خدمات الطاقة الحديثة معقولة التكلفة ، وذلك لأغراض الطبخ والتسخين والإنتاجية ، ونجد ان في قارة افريقيا 55 دولة ، وعدد السكان حوالي 1.3 مليار نسمة، منهم حوالي 500 مليون لاتتوفر لديهم كهرباء ، ويمكن حل مشكلتهم بالطاقات المتجددة والشبكات الذكية ، حيث ان قارة افريقيا ثـرية بطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والفوتوفولطية ، وكما نعلم فان حوالي 92 % من مساحة مصر : صحراء ، ومن المتوقع ان يصل عدد سكان مصر الى 150 مليون عام 2050 ، ووفقا لأطلس الشمس : متاح لدينا ما ينتج 50 جيجاوات من محطات شمسية (في خليج السويس وشرق وغرب النيل والواحات) وحوالي 30 جيجاوات من الرياح .
وقد أعلنت الأمم المتحدة مؤخرا أن حجم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سجل العام الماضي مستوى لم تشهده الأرض منذ ملايين السنين، حيث زاد بمقدار 460 مليون طن أى بنسبة 1.4٪، لتصل إلى مستوى قياسى بلغ 32.5 جيجا طن وقد ارتفع توليد الطاقة الكهربائية العالمى فى عام 2017 بنسبة 2.8 ٪ حيث تنبعث معظم الغازات الدفيئة من احتراق الوقود الأحفوري في السيارات والمصانع، وفي محطات إنتاج الكهرباء، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون الذي يعد المسؤول الأكبر عن الانحباس الحراري، بالإضافة إلى الميثان المنبعث من مدافن القمامة، والزراعة، وأكسيد النيتروز المنبعث من الأسمدة والغازات المستخدمة في عمليات التبريد والعمليات الصناعية ، وإن ذلك ساهم على الأرجح في ارتفاع منسوب مياه البحار 20 مترًا وارتفاع الحرارة 3 درجات مئوية ، مما يشكل تهديدا مباشرا للإنتاج الزراعي الذي سيشهد انخفاضا ملحوظا في بعض المغذيات المتوفرة في النباتات ونقص في الزنك والحديد ، وأن « ملياري شخص في العالم يعانون أصلا نقصا في الزنك والحديد ما يؤدي كل سنة إلى وفاة 63 مليون شخص بسبب سوء التغذية، وهذا يمثل تهديد صحي مرتبط بالتغير المناخي « .
بحلول عام 2030 سيصل نمو الطاقة المتجددة عالميا الى 8% سنويا في حين ان زيادة معدل استهلاك الطاقة في العالم بنسبة 6% وان اكثر من 8 مليار نسمة عالميا بحاجة الى 37 الف تيراوات كهرباء مما يشكل ضغط على البيئة ، لذلك تتسارع الجهود للتوجه للطاقة المستدامة لتقليل درجة الحرارة 2 درجة مئوية ، وعالميا ستكون نسب مزيج الطاقة : 26% غاز - 28% فحم - 27% نفط - 19 % متجددة (متضمنا الطاقة النووية بحوالي 550 جيجاوات )
نحن بحاجة الى تنويع مصادر توليد الطاقة ، وتعظيم الإستفادة من الطاقة المحلية بدلا من المستوردة ، وتحفيز القطاع الخاص المحلي ، سعيا لنمو الإقتصاد وتحسين جودة الحياة والحد من الإنبعاثات الضارة بالمناخ .
بناء على ما تقدم فإن المنطقة العربية بحاجة للطاقة المتجددة لأسباب عدة منها : المساهمة مع المجتمع الدولي في التخفيف من الآثار البيئية و خفض نسبة تركيزات غازات الاحتباس الحراري المسببة للتغيير المناخي، كما أنها بحاجة أيضاً لمواجهة تزايد الطلب على الطاقة ، حيث ان العالم العربي غني جداً بموارد الطاقة المتجددة، و أهمها الطاقة المائية والشمسية و طاقة الرياح وتحويل المواد العضوية إلى طاقة، واستعمال حرارة جوف الأرض وموج البحر ، بجانب توقع نضوب الوقود الأحفوري مستقبلا ، وتحسين التكلفة التنافسية لتكنولوجيات الطاقة المتجددة، وتطور التشريعات وفرص التمويل، وأمن الطاقة والقلق البيئي، والحاجة إلى النفاذ لطاقة حديثة مستدامة. وتزايد الطلب على موارد الطاقة الحالية في المستقبل حيث يشكل النفط و الغاز نسبة 98.2 % من استهلاك الطاقة في الوطن العربي و بالتالي فإن الاعتماد الكلي على هذه الموارد يؤدي الى استنزافها لاسيما و انها محدودة في باطن الارض و مرشحة للنضوب علاوة عى ضرورة استغلال الثروات المتاحة ، حيث ان ان العالم العربي غني جداً بموارد الطاقة المتجددة، و أهمها الطاقة المائية والطاقة الشمسية و طاقة الرياح.
من المتوقع أن يرتفع حجم الاستثمار في الطاقة المتجددة بحدود 900 مليار دولار سنويا حتى العام 2030، بحسب ما يشير الخبراء في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة.
ووفقا للبيانات، فقد بلغت نسبة التطور السنوي في قيمة الاستثمار في الدول الناشئة نحو 19 في المئة، ووصلت عام 2016 إلى قرابة 156 مليار دولار، متفوقة في هذا الشأن على الدول النامية، التي تراجع حجم الاستثمار فيها في هذال القطاع بنسبة 8 في المئة، ولم يزد على 130 مليار دولار.
وتستمر تكلفة الطاقة المتجددة بالتراجع عالميا وبنسب ملحوظة، حتى بات سعر الطاقة الشمسية غير المدعومة، نهاية عام 2016، في بعض الدول أقل من سعر الوقود الأحفوري.